التعليم الأميركي.. والطبقة الوسطى
الكثير من الأميركيين، والعديد من الاقتصاديين الأميركيين على وجه الخصوص، لديهم هوس خطير بالشريحة التي تمثل 1% من الأميركيين: مقدار ما يجنون من أموال، وكم الثروة التي يمتلكونها.. وما إلى ذلك.
ويعد تزايد التفاوت الاقتصادي مشكلة حقيقية، وهناك أسباب مفهومة للتركيز على هذا الأمر. لكن سيكون من الأفضل للولايات المتحدة التركيز على تحديات أكثر أهمية، مثل كيفية زيادة الإنتاجية أو تحسين الآفاق الاقتصادية لأدنى 50% من الشعب.
آخر مظهر من مظاهر الهوس بعدم المساواة هو الجدل الدائر حول سياسات القبول لعدد قليل من مدارس النخبة. تناولتْ ورقةٌ بحثية جديدة هذا الأسبوع مسألة نسبة الـ1% (أغنى 1% من الأميركيين) بشكل مباشر: حيث تشير التقديرات إلى أنه بينما يتمتع أطفال الأسر ذات الدخل المنخفض باحتمالات أفضل قليلاً للالتحاق بمدارس النخبة (بافتراض حصولهم على درجات مماثلة) مقارنة بطلاب الطبقة المتوسطة العليا، فإن أطفال نسبة الـ1% يتمتعون بفرصة أفضل بكثير من أي شخص آخر. وهذه مشكلة نخبة بحكم التعريف تقريباً، نظراً لأن معظم الكليات والجامعات ليس لديها قبول انتقائي للغاية.
هناك قضايا أخرى، حيث يدور النقاش حول المنافسة بين الطبقة الوسطى العليا والأثرياء. ضع في اعتبارك مناقشة الإسكان الحضري، والتي تركز بشكل متزايد على سبب ارتفاع تكلفة المناطق المرغوبة في العديد من المدن، أو الاهتمام بديون قروض الطلاب، بدلاً من أشكال الديون الأخرى التي تُبقي الأفراد الأكثر ضعفاً في المجتمع في وضع متدنٍ.
يؤثر الخطاب حتماً على السياسة، مما يؤدي إلى إعفاء الطلاب من ديونهم، وتوسيع الائتمان الضريبي لأطفال أصحاب الدخول الأعلى، والسياسة الصناعية للوظائف التي تتطلب مهاراتٍ عاليةً، وحتى شن حملة تنظيمية على الذكاء الاصطناعي. صحيح أن بعضَ هذه البرامج تفيد أيضاً الأشخاصَ ذوي الدخل المنخفض، لكن إذا كان هذا هو الهدف، فيمكن استهدافهم بشكل أفضل.
والحقيقة هي أن الفرق بين الطبقة المتوسطة العليا والأغنياء للغاية أصبحت قضية اقتصادية أكثر مما كانت عليه في السابق، لأن المزيد من الناس ينتمون إلى الطبقة المتوسطة العليا. كان أحد الاتجاهات الأكثر لفتاً للانتباه في عدم المساواة هو تفريغ الطبقة الوسطى منذ السبعينيات.
وفقاً لدراسة أجراها مركز بيو للأبحاث، تقلصت الطبقة الوسطى بواقع 11 نقطة مئوية بين عامي 1971 و2014، لتتراجع من 61% إلى 50%. كان معظم الانخفاض ناتجاً عن انضمام الأميركيين إلى الطبقة المتوسطة العليا، والتي تم تعريفها على أنها تكسب ما لا يقل عن ثلاثة أضعاف متوسط الدخل. وكان الاتجاه الآخر اللافت للنظر هو نمو الدخل لأعلى 5% من الأميركيين - وخاصة أعلى 0.01%.
وهناك تفسير آخر محتمل للهوس بالانضمام إلى أعلى 1% من الأميركيين، قدمه أحد الاقتصاديين، وهو أن لديهم تأثيراً وقوةً غير عادية في المجتمع الأميركي. وهذا يبرر زيادة الاهتمام والتدقيق.
لكن من المهم أن نلاحظ أن النظام الأميركي ليس مزوراً بالكامل، فمتوسط راتب خريج جامعة «أيفي ليج» Ivy League وشخص من مدرسة حكومية جيدة لا يختلف كثيراً. ذهب معظم الرؤساء التنفيذيين من أكبر 500 شركة في قائمة «فورتشن 500» Fortune 500 إلى مدارس حكومية عالية الجودة مثل «تكساس إيه & إم» Texas A&M. نعم، من المؤكد أن ولادتك في الشريحة التي تمثل أعلى 1% من الأميركيين تزيد من احتمالات الذهاب إلى مدرسة النخبة، كما أن الذهاب إلى مدرسة النخبة يزيد من احتمالات الحصول على راتب من ينتمون إلى طبقة أعلى 1%. لكن هذا يرجع إلى حد كبير إلى أن الكثير من التوظيف يتم في المدارس العليا، حيث تكون لدى الطلاب أيضاً توقعاتٌ أعلى لما يحق لهم تحقيقه.
لكن البيانات تشير أيضاً إلى حل بسيط: يجب على المدارس العليا وأرباب العمل توسيع نطاق التوظيف، لأنه من الواضح أن هناك طلاباً موهوبين في كل مكان.
ولكي أكون واضحة، أنا لست ضد تسهيل أن يصبح الناس جزءاً من أعلى 1%، ولا أمانع في أن أنضم أنا نفسي إلى هذه الشريحة. لكن المنافسةَ بين الأغنياء والأثرياء للغاية ليست القضية الأكثر إلحاحاً في عصرنا. إن موارد أميركا ليست غير محدودة، وعلينا أن نركز على المشكلات التي لا تعكس قيمنا فحسب، بل تعزز الرخاءَ العامَّ أيضاً.
قد يكون عدد الأميركيين من الطبقة المتوسطة العليا أكثر من أي وقت مضى، لكن لا يزال هناك عدد كبير من السكان يتخلف أكثر عن الركب. إذا كان الهدف هو تحقيق الازدهار على نطاق أوسع، فيجب على أميركا أن تقلق قليلاً بشأن القبول في مدارس النخبة، وكثيراً بشأن التعليم من رياض الأطفال إلى الصف الثاني عشر، وإعداد دورات تدريبية تكميلية على الوظائف، وجعل سوق العمل أكثر مرونةً بالنسبة للأشخاص الذين لم يتجهوا إلى المدرسة المناسبة. ومن الأفضل التركيز على السؤال حول كيف يمكن لأدنى 30% من الأميركيين أن يصلوا إلى أعلى 70%، بدلاً من كيف يمكن لأعلى 10% أن ينضموا إلى أعلى 1%.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»