أفريقيا والمناخ.. بطل أم ضحية؟
في الخطاب المتعلق بتغير المناخ، عادة ما يتم تصوير أفريقيا على أنها ضحية. ولكن ماذا لو كان يمكن أن تصبح بطلاً بدلاً من ذلك؟ تعاني القارة من عواقب حالة الطوارئ المناخية، على الرغم من تحملها القليل من المسؤولية عن انبعاثات الكربون التي تسببت في التغير المناخي. واعتباراً من عام 2021، كانت أفريقيا تساهم بنسبة 2.8% فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التراكمية في العالم - وعلى سبيل المقارنة، تعد الولايات المتحدة هي المسؤولة عن ما يقرب من 25% من الانبعاثات.
تعاني أفريقيا من الحرارة الشديدة، وانعدام الأمن الغذائي والمائي، وزيادة الأمراض وتغير أنماط الطقس. إجمالا، تخسر الاقتصادات الأفريقية ما بين 5% إلى 15% من نمو نصيب الفرد السنوي في الناتج المحلي الإجمالي بسبب تغير المناخ.
لكن البعض يتصور مساراً مختلفاً لأفريقياً، حيث يضع المستثمرون بلدانها البالغ عددها 54 دولة في قلب ثورة صناعية خضراء. القارة لديها ثلاثة عوامل جيدة - قوة عاملة شابة، وموارد طبيعية وفيرة وإمكانات الطاقة المتجددة. من بين المتفائلين جيمس موانجي، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة «أفريكا كلايميت فينتشرز» Africa Climate Ventures، إذ تشمل استثمارات شركته «كوكو نتووركس رواندا» KOKO Networks Rwanda، وهي شركة ناشئة تهدف إلى توفير وقود طهي نظيف بسعر يقوض الفحم، و«جريت كاربون فالي» (أو وادي الكربون العظيم)، وهي شركة مطوِّرة تبحث في تسخير موارد الطاقة المتجددة في كينيا للصناعة الخضراء وإزالة ثاني أكسيد الكربون (CDR).
وبينما ركزت المشاريع في البداية على شرق أفريقيا، يقول موانجي: إن هناك مجالاً لإحداث تحول في جميع أنحاء أفريقيا. لتحقيق نمو إيجابي فيما يتعلق بالمناخ، هناك حاجة إلى ثلاثة عناصر. أولاً، تحتاج أفريقيا إلى التحايل على التقنيات كثيفة الانبعاثات من أجل إنتاجها واستهلاكها. بالمقارنة مع الدول المتقدمة، هناك حاجة أقل إلى تعديل وتحديث هذه التقنيات، لسبب بسيط وهو أنه لم يتم بناء أو شراء الأشياء بعد.
على سبيل المثال، لا تمتلك العديد من البلدان الأفريقية صناعات متطورة للخرسانة والصلب حتى الآن، مما يعني أنه يمكن للدول أن تبدأ بمرافق منخفضة الكربون. ثانيا، يمكن لأفريقيا المساعدة في تسريع إزالة الكربون على مستوى العالم من خلال استضافة المزيد من العمليات الصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة في العالم وتزويدها بالطاقة المتجددة. تقدر كينيا، على سبيل المثال، أن لديها ما يقرب من 10000 ميجاواط من الطاقة الحرارية الأرضية، ولكن تم تركيب 950 ميجاوات فقط من السعة. يقول موانجي: «لديك بالفعل دول تستورد الفحم وخام الحديد من أفريقيا لتحويله إلى صلب في مكان آخر.
فلماذا لا تقوم بعملية تعتمد على التحليل الكهربائي هنا؟». تعد فرص الطاقة المتجددة هذه، وكذلك الموارد الطبيعية الوفيرة جزءاً من سبب نجاح العنصر الثالث – وهو زيادة إزالة ثاني أكسيد الكربون. في غانا، يمكن أن يساعد الفحم الحيوي مزارعي الكاكاو، فهو مادة شبيهة بالفحم، وشكل ثابت من الكربون ويمكن استخدامه كسماد، عن طريق تسخين الكتلة الحيوية للنفايات في حاوية لا تحتوي على أكسجين.
ومع الظروف الجيولوجية المثالية لتخزين ثاني أكسيد الكربون، يمكن أن تستضيف كينيا مراكز التقاط الكربون مباشرة من الهواء (DAC) في وادي الصدع العظيم. نظراً لأن 77% من سكان منطقة جنوب الصحراء الأفريقية يفتقرون إلى الكهرباء، فقد يبدو من الغريب التركيز على ربط الصناعة وإزالة ثاني أكسيد الكربون CDR)) بالشبكة بدلاً من الناس. لكن ربط الصناعة وإزالة ثاني أكسيد الكربون بالشبكة يجب أن يؤدي إلى ربطها بالناس. تكمن المشكلة في أن الاقتصادات الأفريقية مفرطة في الاستدانة، لا سيما مع ارتفاع أسعار الفائدة، مما يعني أنها لا تستطيع تخصيص الأموال للاستثمار في توسيع سعة شبكاتها.
يقول موانجي إنه ليس هناك أيضاً طلب واضح. «يمكنك القول إن كل هؤلاء الأشخاص يفتقرون إلى الكهرباء، لكن هل لديهم نقود الآن؟ يمكن القول إنه سيكون لديهم المال بمجرد حصولهم على الكهرباء، لكن لا يمكنك الإقراض على هذا الأساس». يتمثل أحد الحلول المحتملة لهذه المعضلة في توفير طلب صناعي لتوسيع الشبكة، مما يؤدي إلى استبعاد المخاطر المالية من الاستثمار. سيكون الأساس في تصميم المشروع المدروس والعادل - على سبيل المثال، السماح للشبكة بتخصيص 20% من إنتاج الطاقة للمشروع لمناطق جديدة. وهناك أيضا إمكانية جعل الطاقة ميسورة التكلفة. في كينيا، تأتي الكهرباء بسعر أعلى لأن الطلب متقلب وينتهي الأمر بالمستهلكين بالدفع مقابل الطاقة المعطلة. تؤدي زيادة الطلب إلى توزيع التكاليف على دافعين أكثر وتحسين الكفاءة.
تواجه أفريقيا تكاليف رأسمالية ضخمة لنشر مصادر الطاقة المتجددة وغيرها من التقنيات منخفضة الكربون. على الرغم من الإمكانات الهائلة، فإنها لم تشهد سوى القليل من استثمارات الطاقة النظيفة في العالم. ويجب معالجة هذا الأمر. أحد الخيارات هو أن تقوم بنوك التنمية متعددة الجنسيات مثل البنك الدولي بدور أكبر في تمويل أو تأمين هذه الاستثمارات. يحتاج المنظمون أيضاً إلى ضمان أن تكون أسواق الكربون، التي يُنظر إليها على أنها مصدر مهم لتمويل القارة في المستقبل، عادلة وشفافة وتعمل على تقديم فوائد موثوقة.
إن السياسات الحمائية المناخية الغربية هي تهديد محتمل. على سبيل المثال، يخاطر قانون خفض التضخم الأميركي بالقضاء على مسارات أفريقيا عن غير قصد، ودعم سلاسل التوريد المحلية فقط. على سبيل المثال، فإن استثناء الصلب الأخضر التنزاني من الإعانات يقضي أيضا على فرصة التنمية المستدامة ويؤدي إلى إعاقة الشريك التجاري المستقبلي. يجب أيضاً مراعاة العدالة البيئية - كانت هناك أمثلة على مشاريع التحول الأخضر حول العالم والمرتبطة بالاستيلاء على الأراضي وانتهاكات حقوق الإنسان.
ولكن هناك أيضاً أمثلة على كيفية القيام بذلك بشكل أفضل. على سبيل المثال، تقدم شركة «كيبيتو إينرجي» Kipeto Energy الكينية لملاك الأراضي 1.4% من إجمالي الإيرادات السنوية الناتجة عن مزارع الرياح المنتشرة في أراضيهم. يمكن أن يترجم ذلك إلى 12000 دولار سنوياً لكل توربين من توربينات الرياح. إذا اتخذ المستثمرون والمطورون نهجاً مسؤولاً يركز على الناس، مع معايير عالية ومشاركة مجتمعية قوية، يمكن للدول الأفريقية المضي قدماً في العمل المناخي إلى جانب ارتفاع مستويات المعيشة.
مع سرعة تضاؤل ميزانية الكربون المتبقية لدينا لكي نظل أقل من 1.5 درجة مئوية من الاحتباس الحراري، فإن النمو الأفريقي الأخضر يمثل فرصة للجميع. (ميزانية الكربون هي مفهوم يستخدم في سياسة المناخ للمساعدة في تحديد أهداف خفض الانبعاثات بطريقة عادلة وفعالة. وهي تستهدف الحد الأقصى المسموح به من الانبعاثات في الجو).
لارا ويليامز*
*كاتبة متخصصة في قضايا المناخ.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»