العالَم يتغير سكانياً.. إلى أين؟
«كودوكيشي» كلمة يابانية تعني «العجوز الذي يموت وحيداً». ولا تقتصر ظاهرة «الكودوكيشي» على اليابان وحدها؛ فقد أصدرت الحكومةُ المحلية في شنجهاي في الصين قراراً يُوجِب على الأبناء زيارةَ آبائهم العجزة في المصحّات ودُور إيواء كبار السن.
ويبلغ عدد سكان اليابان اليوم نحو 127 مليون نسمة. ولكن تقديرات الأمم المتحدة تتوقع أن ينخفض هذا العدد إلى نحو 85 مليوناً فقط بحلول عام 2100، وذلك بسبب ارتفاع نسبة المسنّين (العجزة) ليصل حينذاك العدد إلى نحو ثلث ما هو عليه الآن.
وتتوقع اليابان أن تنخفض نسبة اليد العاملة لديها إلى 28 في المائة فقط من عدد السكان في عام 2050.
أما في الصين فتقدِّر الإحصاءاتُ الرسميةُ أن يرتفع عدد كبار السنّ في عام 2050 إلى 330 مليون شخص، مما يفرض أعباءَ كبيرةً على الدولة وعلى مؤسسات الرعاية الاجتماعية. ذلك أن عدد سكان الصين سوف يصل في عام 2029 إلى 1,44 مليار نسمة.. ثم يبدأ بالتراجع نتيجة الظاهرة التي تسمى «شيخوخة المجتمع» والتي تعاني منها معظم البلدان الصناعية المتقدمة.
وحتى الولايات المتحدة لن تسلم من هذه الظاهرة؛ فالدراساتُ العلمية تقول إن استقرار النمو الاجتماعي يتطلب أن يكون معدل الولادات 2.1 لكل امرأة. لكن هذا المعدلَ لا يزيد على 1,76 في الولايات المتحدة و1,75 في الاتحاد الروسي. وهذا يعني أن المجتمعات الكبرى تزداد شيخوخة وأن ظاهرة «الكودوكيشي» في اتساع ملحوظ.
وتَعرف الصينُ نسبةً مرتفعةً جداً من اليد العاملة النسائية، إذ إن سبعاً من كل عشر نساء يعملنَ. وتسهم المرأة في الدخل القومي الصيني بنسبة 41 في المائة. ولعل الظاهرة الأهم هي أن 80 في المائة من مليارديرات نساء العالَم اللواتي لم يرثن ثرواتهن هنّ صينيات.
ومن هنا يطرح سؤال مهمٌ نفسَه: هل ظاهرة انصراف المرأة إلى العمل والإنتاج هي بمثابة الوجه الآخر لظاهرة «الكودوكيشي»؟
أذكر أنني كنتُ في زيارة عمل للولايات المتحدة الأميركية، وكان ذلك خلال فصل الشتاء والبرد القارس، فأقفلتُ على نفسي مع جهاز التلفزة في غرفتي داخل الفندق. كانت إحدى المحطات المحلية تَعرض برنامجاً ثقافياً وتغري المتفرّجين بجوائز قيّمة. ربح الجائزةَ الأولى رجلٌ مسنّ. وكانت الجائزة عبارة عن العرض التالي: «أطلب أي شيء تريده كي نقدّمه إليك». سأل العجوز الفائز: أي شيء من دون استثناء؟ وجاءه الجواب: أي نعم، أي شيء من دون استثناء. فكّر الرجل للحظات قليلة ثم قال: أريد شخصاً أتحدث إليه. لم يصدّق مقدّمُ البرنامج ما سمعه من الرجل العجوز، فأعاد العرضَ على مسامعه مجدداً وهو يقول: أطلبْ أيَّ شيء، بدون سقف وبدون حدود.. لكن العجوز أصرّ على جوابه: أريد شخصاً أتحدث معه.
ومن جوابه ذاك، أي من الطلب الوحيد الذي أصرّ عليه، فهمتُ أنه لا يريد أن يكون «كودوكيشي».
*كاتب لبناني