طول الانتظار.. مؤشر لعدم المساواة!
لقد انتظرنا وقتاً طويلاً لإجراء دراسة علمية عن الانتظار. فمن الانتظار على الهاتف إلى غرف الانتظار، هناك إهدار بائس للوقت في كل مكان حولنا.
ووفقاً لبحث جديد نشر في الآونة الأخيرة في دورية «نيتشر هيومن بيهيفيور»، فإن الأشخاص منخفضي الدخول والسود من جميع مستويات الدخل يتعطلون بسبب الانتظار أكثر من غيرهم. والانتظار هو شكل من أشكال سرقة الوقت. فمن خلال جعلنا ننتظر، تسرق المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة وقتاً ثميناً كان بوسعنا قضاءه في العمل أو الإجازة أو الراحة أو الاهتمام بعلاقاتنا أو إنجاز أشياء أخرى. ويستطيع الأشخاص الأغنياء في كثير من الأحيان دفع المال لتجنب الانتظار - مثل الوقوف في طابور في المطار أو القيادة إلى العمل بدلاً من انتظار وسائل النقل العام. وهذه خيارات أقل توافراً للفقراء.
وغالباً ما يكون الانتظار أسوأ في الأجزاء الفقيرة من المدينة، حيث تميل المتاجر الكبرى إلى وجود عدد أقل من عمال منافذ البيع، وقد تكون خدمة الحافلات أقل تواتراً. لكن عاجلاً أم آجلاً، علينا جميعاً الانتظار. وهذا محبط. تقول إليزابيث كوهين، أستاذة العلوم السياسية بجامعة سيراكيوز، ومؤلفة كتاب «القيمة السياسية للوقت»، إن «تجربة إهدار وقتك فريدة في عدوانها وإهانتها وإزعاجها»، وتؤكد «الوقت مورد فريد وبمجرد أن يختفي هذا الجزء من حياتك، فلن تستعيده أبداً».
وذكر ستيفن هولت، الأستاذ المساعد في الشؤون العامة والسياسة في جامعة ولاية نيويورك، ومؤلف البحث المنشور في دورية «نيتشر هيومن بيهيفر»، إنه سبق له أن درس الاستخدام الطوعي للوقت، بدءاً من دراسة الفروق بين الجنسين في أوقات الدراسة. وأدرك أن الرصد الذاتي قد يكون متحيزاً - فالناس يميلون إلى تسجيل وقت أطول مما يقضونه بالفعل في التمارين الرياضية أو الدراسة أو أياً كان ما يحاول الباحثون قياسه.
لكنه وجد أن مكتب إحصاءات العمل جمع مصدراً أكثر حيادية للبيانات تمثلت في مذكرات زمنية. حيث طُلب من قطاع عشوائي متنوع من الأشخاص رصد ما يفعلونه كل ساعة في اليوم الواحد. ثم، قبل عام، بدأ يفكر في إهدار الوقت لا إرادياً بعد أن تحدثت زوجته عن اضطرارها إلى الانتظار لمدة ساعتين في مكتب طبيب العيون.
وفوجئت بعدد الأشخاص الآخرين الذين بدا أنهم تقبلوا هذا. وقام بفحص لمعرفة إذا ما كان وقت الانتظار قد تم تضمينه في مذكرات مكتب إحصاءات العمل، ووجد على الأقل بعض أشكال الانتظار، مثل انتظار الحصول على خدمات والانتهاء من الدفع في متجر بقالة. وليس من المستغرب أن ينتظر الفقراء أكثر.
لكن الدراسة كانت مهمة لمواجهة السؤال بالبحث العلمي، وللفت الانتباه إلى مشكلة شائعة لدرجة أنه يتم تجاهلها. كانت الفجوة الزمنية الإجمالية أصغر مما كنت أتوقعه - فالناس الذين يكسبون أقل من 20 ألف دولار في السنة انتظروا، في المتوسط، ست ساعات سنويا أكثر من الأشخاص الذين يكسبون أكثر من 150 ألف دولار. لكن هولت قال إن بيانات الاستطلاع التي استخدمها لا ترصد إلا جزءاً بسيطاً من الإجمالي.
وكانت المذكرات الزمنية عبارة عن فترات من 24 ساعة فقط؛ لذا فقد وجدت فجوات في الأنشطة اليومية. تحدث أسوأ أوقات الانتظار في كثير من الأحيان - في عيادة الطبيب، على سبيل المثال، أو قسم السيارات. وعلى الرغم من أن الأشخاص الأكثر فقرا انتظروا نحو 15 دقيقة أطول في كل رحلة تسوق، فقد تضاءل الفارق من خلال حقيقة أنهم ربما يعوضون عن طريق التسوق في كثير من الأحيان، وبالتالي شراء مزيد من الأطعمة المصنعة والمواد الطازجة أقل. وكان أحد الألغاز هو أن فجوة الدخل ظهرت في جميع المجموعات العرقية باستثناء السود الذين كان وقت انتظارهم في جميع المجالات مثل الأشخاص الأكثر فقرا في المجموعات الأخرى.
لماذا يحدث ذلك؟ قال هولت، إن بعضها قد يكون نتيجة للعنصرية ضد السود، حيث يحصل السود على خدمة ببط أكبر. ثم هناك تأثيرات لمكان الإقامة. فإذا كنت تعيش في حي يقل فيه البيض، فقد تتعطل في متجر مزدحم، بينما يشتري سكان الضواحي بضائعهم بسلاسة أكبر من متجر «هول فودز» الذي به موظفين أفضل. ولم يكن المقصود من هذه الدراسة أن تكون الكلمة الأخيرة بشأن ظاهرة الانتظار، لكنها مقدمة لمشكلة لم يتم دراستها جيداً ولم يتم تقديرها ومصدر عدم المساواة في مجتمعنا. وتؤكد كوهين أننا «نعلم من الأنثروبولوجيا وعلم النفس أن... الانتظار دون معرفة نهاية له هو شكل من أشكال التعذيب».
فالانتظار إلى أجل غير مسمى يجعل من المستحيل أيضاً التخطيط ليومك. ولم يتضمن الاستطلاع نماذج وتطبيقات سرقة الوقت التي تسميها كوهين العبء الإداري. وهو أمر سيئ بشكل خاص عند محاولة التقدم للحصول على إعانات البطالة أو قسائم بنوك الطعام. فكما حذر بنجامين فرانكلين ذات مرة من أن «الوقت هو المال»، ومع ذلك نترك الناس يسرقون وقتنا مع الإفلات من العقاب. والوقت على عكس المال، لا يمكننا استعادته أبداً.
*صحفية متخصصة في الكتابة عن العلوم.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنينج آند سينديكشن»