مقايضة الكفاءة بالعدالة.. أُحجية الاقتصاديين!
لمعرفة كيف يفكر اقتصادي ما حقاً، سله عن الفكرة الاقتصادية السائدة التي تزعجه أكثر من غيرها. وستحصل على مجموعة واسعة من الردود، بدءاً من «الإسراف في الإيمان بسياسة دعه يعمل» إلى «عدم الاستخدام الكافي لتعلم الآلات». وإليكم إجابتي: طريقة تناول مقايضة الكفاءة الاقتصادية بالعدالة الاجتماعية في مناقشة السياسات. ولفوز أسوأ فكرة في هذا التصارع، يجب أن تكون الفكرة واسعة الانتشار، ويجب أن يتبناها كثير من النخب المتخصصة، ويجب أن تكون خاطئة تماماً أو مضلِّلة. فلا يمكنك اختيار فكرة سيئة غير واسعة الانتشار فحسب، مثل النظرية النقدية الحديثة. وتجادل نظرية مقايضة الكفاءة الاقتصادية بالعدالة الاجتماعية، في أبسط أشكالها، بأن الاقتصاديين يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار كلا من العدالة (كيف تؤثر السياسة على مختلف الأطراف المعنية) والكفاءة (إلى أي مدى تستهدف السياسةُ الطرفَ المقصود بالتأثير) في التوصل إلى أحكام السياسات.
ولا بأس بهذا حتى الآن. لكني أبدأ في الشعور بالتوتر حين أرى منح العدالة وضعاً خاصاً، وهو أمر بارز في كتب تعليم اقتصاد التيار العام. ومن خلال التأكيد على تصور ما ببساطة، يحاول الاقتصاديون الصعودَ بقيمتهم المفضلة فوق عدد من البدائل. ويحاولون جعل الاقتصاد أكثر تعددية فيما يتعلق بالقيم، لكنهم في الواقع يجعلونه أكثر ضيقاً. فإذا استطلعت آراءَ الشعب الأميركي حول القيم الأهم لديه، فستحصل على مجموعة متنوعة من الإجابات، بحسب الشخص المقصود بالسؤال وطريقة صياغة السؤال. وسيذكر الأميركيون قيماً مثل الفردية والحرية والمجتمع والجدارة والاستقامة الشخصية، وأيضا، العدالة. وهناك إجابة أخرى مثل رعاية كبار السن خاصة ممن ساهموا في بناء الأمة خلال سنوات عمرهم المبكرة، لكنها لا تظهر دائماً في استطلاعات الرأي على حين أنها تسيطر على كثير من السياسات القومية وعقول الناس.
وأسمع كثيراً عن تصارع الكفاءة مع العدالة، لكني أسمع أقل من ذلك بكثير عن المقايضات بين الكفاءة والقيم الأخرى. ونادراً ما يناقش اقتصاديو التيار العام تصارعَ القيم بين الكفاءة والفردية، على سبيل المثال، على الرغم من أن مثل هذا التصارع كان مصدرَ قلق مركزي لكثير من الأميركيين أثناء الجائحة. وللاستشهاد بمثال آخر، جادل كثير من الاقتصاديين بأن الولايات المتحدة يجب عليها خفض نفقات ميديكير وإنفاق هذه الأموال على ميديكآيد، وبشكل أكثر عموميةً على الرعاية الصحية ومساعدة الشباب. والجدير بالذكر أن نسخةً مبكرةً من قانون الرعاية الميسرة حاولت فعل هذا تحديداً. وأنا أتفق مع هذه الحجة، لكني ما زلت أرى مقايضةً واضحةً، وهي أن الولايات المتحدة ستعزز الكفاءة لأن هناك عائداً أعلى من الإنفاق على الشباب، لكن يمكن القول إن هذا سيحرم كبار السن المستحقين من بعض الإنفاق. لكني نادراً ما أسمع اقتصاديين يناقشون «تصارع الكفاءة مع هجر كبار السن». والناخبون بالطبع يتحدثون عنها كثيراً، وإن استخدموا مصطلحاتٍ أبسط.
وهناك فرع كبير من الاقتصاد مستقىً من بحث للاقتصادي الحائز على جائزة نوبل «أمارتيا سين»، وهو بحث يركز على التقابلات المعيارية التي تنطوي على الحرية. لكن مفهوم الحرية عند «سين» غريب للغاية على العقلية الأميركية ومن الصعب شرحه. ويرى سين أن المرء لا يتمتع بحرية إلا إذا لم يتمكن من إبرام صفقة تبادلية مع شخص آخر تنطوي على التزام مقابل من ذلك الشخص. وهذا المفهوم سيقض مرقد باتريك هنري، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة وأحد كبار المدافعين عن الحرية بالمعنى الأميركي. لكن الحرية تعني لكثير من المواطنين الأميركيين الحقَّ في حرية التعبير، أو ربما التحرر من اللوائح المرهقة أو الضرائب الزائدة. وهذا ليس المعنى الذي يقصده سين والفرع الواسع لنظرية الاختيار الاجتماعي التي جاء بها. لكن فرعاً كاملا من الاقتصاد يُفترض أنه مهتم بـ«الحرية» انطلق في هذا الاتجاه مع مئات المقالات الصحفية، وكلها أخطأت الفهم.
وأظهرت عمليات مسح أن الغالبية العظمى من الاقتصاديين الأكاديميين يفضلون «الديمقراطيين». لكن يجب على معظم الاقتصاديين، بمن فيهم «الديمقراطيون»، إيلاءَ المزيد من الاهتمام لقيم الأميركيين العاديين وتقليص الاهتمام بقيم شريحة المثقفين الخاصة بهم. وهذا سيقرّبهم من معظم ناخبي الحزب الديمقراطي أيضاً، ناهيك عن الناخبين المتأرجحين وعدد كبير من الناخبين «الجمهوريين». العدالة مجرد قيمة واحدة من بين قيم كثيرة، وليس من البديهي أن يكون الاقتصاديون هم الأكثر اهتماماً بالدعوة إلى الصعود بها. ويرى كثير من الاقتصاديين أن استعدادهم للتضحية بالكفاءة في سبيل العدالة يعد دليلا على حسهم الإنساني. ولا نقيصة في هذا. لكن سيكون من الأكثر إنسانيةً نزع مقايضة الكفاءة بالعدالة عن عرشها في الخطاب الاقتصادي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست سينديكيت»