محمد بن راشد: جمع العرب وفتح نوافذ الأمل
أغلب القوميين العرب، منذ بدايات القرن الماضي، من مفكرين وسياسيين، جعلوا من «العروبة» أيديولوجية عمياء لم تقدم للعرب سوى شعارات رنانة. وبقيت الفكرة أسيرة شعارات خاوية ولم تتقدم خطوة واحدة.
ثم حينما أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مبادرة «تحدي القراءة العربي» (في العام الدراسي 2015 – 2016) فقد قدم نموذجاً حضارياً وعملياً لمعنى التعاون العربي. لقد وحّد قلوب ملايين العرب بمبادرة نوعية ضمن مشروعه الأكبر: استئناف الحضارة العربية. «تحدي القراءة العربي» أيقظ عقول العرب (طلاباً وطالبات، آباء وأمهات، معلمين ومعلمات، مدارس ومؤسسات) على أهمية الكتاب وضرورة القراءة.
والأهم من ذلك أن هذا المشروع يُعد من أصدق المشاريع التي تقدم خدمة حضارية وتنموية للأجيال العربية الشابة وتجمعهم على هدف حضاري مشترك في مسابقة يشترك في أدق تفاصيلها ملايين من الطلاب العرب على مستوى الوطن العربي ومن خارجه. يوم الخميس الماضي، شهدت (أوبرا دبي) تتويج أبطال تحدي القراءة العربية، في دورته السادسة، حيث كرّم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الفائزين، وتفاعل معهم، بل وشاركهم دموعه الغالية حينما قرأت الطالبة المغربية مريم أمجون، بطلة موسم 2018 من تحدي القراءة العربي، كلمات من فصل «من مثل أمي... من مثل لطيفة» من كتابه الشهير «قصتي». في تلك الكلمات القصيرة، لكنها معبرة، يستذكر الشيخ محمد بن راشد ذكرى رحيل والدته، أم دبي، الشيخة لطيفة بنت حمدان رحمها الله. تفاعل الجمهور العربي، من كل مكان، مع تلك اللحظات التي مسح فيها الشيخ دموعه، بل ربما بكوا معه، لأن الشيخ محمد فعلاً قد سكن قلوب ملايين العرب. كيف لا وهو من فتح لهم نوافذ الأمل بعد أن دب اليأس في القلوب واستوطن الظلام العقول!
مبادرة «تحدي القراءة العربي»، خلقت ثقافة تحدٍّ مثمرة في أغلب المدارس العربية. ونجحت المبادرة في ما فشلت فيه كثير من وزارات التربية والتعليم في العالم العربي. هذه المنافسة البناءة هي على من يقرأ أكثر ومن يخدم مشروع القراءة أفضل ومن يسبق إلى المراحل النهائية من التحدي ومن يصعد على منصة التكريم في دبي، كلها خطوات ملهمة ومهمة في مسيرة حضارية جمعت الطلاب العرب تحت سقف طموح مشترك ومنافسة شريفة تشارك فيها معظم المدارس العربية. تلك هي مبادرة ملهم الشباب العربي، محمد بن راشد، التي أسست لطموح شبابي حقيقي أشعل فتيل الأمل في معظم مدن وقرى العالم العربي.ثم جاءت قصة بطلة التحدي، السورية شام البكور، ذات السنوات السبع، حيث اختلطت مشاعر الفرح بفوزها مع مشاعر الحزن على قصتها.
لقد خرجت شام منتصرة على حرب ظالمة دفعت شام، وملايين من الأبرياء مثلها في سوريا وضواحيها، ثمناً باهظاً لها. وبفوزها المدهش، وصمودها المبهر، كانت تبعث رسالة تحدٍّ من نوع آخر تعلن عبرها انتصار جيل سوري قادم على ما تركته الحرب من دمار وموت وخراب. أو لكأن السوريين، من خلال شام البكور، يعلنون إصرارهم الأزلي على النهوض من جديد وبناء سوريا الجديدة وعودة (شام) المعرفة والتجارة والانفتاح إلى الضمير العربي.
هذا الاحتفاء بفوز الطالبة شام هو أيضاً فرحة بمشاركة الطالب السوري مع زملائه العرب، من كل بلد عربي، فمهما كانت وجهة النظر السياسية تجاه ما حدث في سوريا، تبقى سوريا، التاريخ والحضارة والإنسان، في قلوب العرب وجرحها مصدر وجع في قلب كل عربي.
في تغريدة الشيخ محمد بن راشد حول إعلان نتيجة التحدي رسالة واضحة تحتفي بحضور سوريا الفاعل في هذا المشروع المهم، حيث كتب سموه: «اختتمنا بحمد الله اليوم فعاليات تحدي القراءة العربي.. مسابقة شارك فيها 22 مليون طالب من 44 دولة لقراءة 50 كتاباً في كل عام دراسي.. والفائزة هذا العام هي شام البكور من سوريا الحبيبة..سوريا الحضارة واللغة والثقافة.. سوريا العلم والعلماء والتاريخ.» تفاعل الشباب العربي مع تحدي القراءة لهذا العام، والفرحة بفوز الصغيرة شام، وكل هذا الاحتفاء بهذا المشروع رسالة جديدة مفادها بكل وضوح أن الإمارات هي صانعة الأمل لشباب العرب.
فرق كبير بين من يتكلم دون عمل ومن يترجم الأفكار العملية إلى برامج ومشاريع تؤتي ثمارها على الأرض. وما تحدي القراءة العربي سوى حلقة مهمة في سلسلة أفكار ومشاريع وبرامج ومؤسسات إماراتية (أو انطلقت من الإمارات) تفتح للشباب العربي أبواباً من الأمل الحقيقي نحو العلم والمعرفة والمستقبل.
وهكذا يواصل الشيخ محمد بن راشد مسيرته الملهمة، حاملاً طموح شباب العرب معه، ليخرجهم من جاهلية الأدلجة ولعب السياسة ويحلق بهم في آفاق واسعة من الأمل بغد أفضل عبر مشاريع جادة ونافعة... وكأن المتنبي قد تنبأ بطموح وعزيمة وهمة (بو راشد) حينما قال: وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
*كاتب إماراتي