أوروبا ..وسائل السفر «الخضراء»
من حركة «تشجع الناس على عدم السفر بالطيران» في السويد، إلى خفض أسعار تذاكر القطارات في ألمانيا إلى حظر الطيران في فرنسا، تحاول الدول الأوروبية حمل الناس على تبني رحلات منخفضة الانبعاثات. تحاول صحيفة «واشنطن بوست» استكشاف مدى نجاح هذه الجهود، وما إذا كانت السكك الحديدية في أوروبا جاهزة لعصر جديد.
كان «ماني إلفبورج»، الذي كان ينتظر على رصيف القطار في «هاسليهولم» بالسويد، مقنعاً وعملياً، وهو يشرح سبب قيام عائلته برحلة بالقطار لمدة 24 ساعة، بدلاً من رحلتين قصيرتين بالطائرة، إلى وجهة إجازتهم في سلوفينيا.
تحدث إلفبورج، 61، عن تجربة القطار - مشاهدة المناظر الطبيعية عبر النوافذ، والنزول في وسط المدن، وليس في المطارات في الضواحي.
لما يقرب من عقدين من الزمن، كانت الرحلات الجوية القصيرة والرخيصة هي وسيلة السفر عبر أوروبا. مع صعود شركات الطيران ذات الميزانية المحدودة، أصبح بمقدور الأشخاص ذوي الدخل المحدود التفكير في الرحلات التي كانت في السابق بعيدة المنال. واستفاد الناس من هذه الإمكانية في استكشاف البلدان والثقافات الأخرى، وتبنوا نموذج الاتحاد الأوروبي لحرية الحركة عبر الحدود.
لكن كل تلك الرحلات شكلت بصمة كربونية كبيرة. ففي حين أنها كانت رخيصة بالنسبة للمسافرين، إلا أنهم تكبدوا تكلفة بيئية باهظة - مما يقوض تعهدات أوروبا بخفض الانبعاثات الضارة والتحول إلى محايدة الكربون.
الآن، تعمل الحكومات والجماعات الأوروبية المهتمة بالمناخ على فترات متفاوتة لتغيير عادات سفر الناس جواً. والبعض يبنون على حركة «تشجع الناس على عدم السفر بالطيران»، التي روجت لها الناشطة السويدية المراهقة «جريتا ثونبرج». جربت ألمانيا وإسبانيا أساليب لجعل السفر بالقطار أكثر جاذبية، حيث تقدم تذاكر بسعر رمزي. وفي الوقت نفسه، تحاول فرنسا وهولندا والنمسا الحد من خيارات الناس من خلال الحد من الرحلات الجوية.
ولاكتشاف مدى نجاح هذه الجهود في جعل الناس يتخلون عن الرحلات الجوية المسببة لانبعاثات الكربون لصالح القطارات صديقة للبيئة، انطلقنا في رحلة قطار متعددة المراحل بدأت في السويد وأخذتنا عبر الدنمارك وألمانيا وهولندا وبلجيكا قبل أن تنتهي في فرنسا.
خلال الرحلة، وجدنا أن جهود الحكومة، قد ساهمت في تطوير خدمة السكك الحديدية. وكانت القطارات في نهاية الصيف في أوروبا ممتلئة. وقد عادت الرحلات الجوية تقريباً إلى مستويات ما قبل الوباء. وبالنسبة لأولئك الذين يختارون السفر بالقطار، قد لا ترقى خدمات السكك الحديدية الأوروبية إلى مستوى توقعاتهم، إذ تضمنت رحلتنا العديد من التأخيرات، وتعقيدات في محطات الربط، والطوابير الممتدة أمام دورات المياه، وسرقة الأمتعة، وفي إحدى المراحل، أجبرنا إضراب السكك الحديدية على النزول من القطار إلى الحافلة.
توجهت إلى القطار الليلي في المساء من محطة هسلهولم، على بعد حوالي 45 دقيقة شمال مدينة مالمو السويدية. إن المعيار السائد للسفر بالقطار في أوروبا بعيد كل البعد عن قطارات القناة (تشانيل) الأنيقة التي تنطلق تحت قاع البحر في القناة الإنجليزية ويمكن أن تصل سرعتها إلى 186 ميلاً في الساعة. بدلا من ذلك هناك قطار «سنالتاجيت» صندوقي الشكل الذي يعمل بالطاقة المتجددة الذي تزيد سرعته عن 124 ميلاً في الساعة.
يتعين حجز مقعد في القطار، إذا كان هناك القليل من المقاعد الشاغرة أثناء الرحلة. كان العديد من الركاب قد استقلوا القطار بالفعل لمدة تصل إلى أربع ساعات، بعد ركوبهم في العاصمة السويدية أو إحدى المحطات بينهما. وكانت الوسائد والأحذية متناثرة على الأرض. وكان بعض الناس نائمين بالفعل.
عندما بدأ «سنالتاجيت» الخدمة من السويد إلى برلين في عام 2012، بدا أنه محكوم عليه بالفشل. كانت شركات الطيران منخفضة التكلفة توسع أساطيلها وتبيع المقاعد في رحلاتها التي تستغرق ساعة و 40 دقيقة من ستوكهولم إلى برلين بأسعار إغراق. كافح «سنالتاجيت» للعثور على عدد كافٍ من المسافرين حتى لعربتين صغيرتين في رحلته التي تستغرق 15 ساعة وليست أرخص بكثير.
لكن عصراً جديداً من السفر بالسكك الحديدية بدأ في صيف عام 2019، عندما ساعدت «ثونبرج» في الترويج لحركة «تشجع الناس على عدم السفر بالطيران». في السويد في ذلك العام، زاد معدل السفر بالقطار بمقدار الثلث مقارنة بالصيف الذي سبقه، بينما تراجع السفر الجوي بنحو 4% في المطارات الرئيسية في البلاد.
بالنسبة للكثيرين، يتعلق الأمر بوسيلة المواصلات الأقل صعوبة. شهدت عشرة مطارات سويدية رئيسية انخفاضا في عدد المسافرين هذا الصيف بنحو الربع مقارنة بعام 2019، قبل تفشي الوباء. ولكن إلى جانب المخاوف البيئية، يمكن ربط هذا الانخفاض بالإضرابات وإلغاء الرحلات الجوية على نطاق واسع وارتفاع أسعار التذاكر. في غضون ذلك، تراجعت أعداد ركاب السكك الحديدية بنسبة 5% في الربع الثاني من هذا العام، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019.
لم يذكر أي شخص يستقل قطار النوم «سنالتاجيت» الضغط الاجتماعي كسبب لحجز تذكرته، على الرغم من أن البعض تحدث عن البيئة.
قالت «إيلين هسلاتي» إنها كانت تدرس العلوم البيئية، وقد شعرت بالقلق من التنبؤات «المزعجة» للعلماء الذين تحدثت معهم. وأضافت أن ركوب القطار كان «وسيلة للتعبير عن كيف يمكنني تغيير نمط حياتي وفقا لما أؤمن به».
تم تحديث عربات القطار، لكنها لا تزال تشعرك بأنها قديمة. قال «ماركو أندرسون»، أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في «سنالتاجيت»: «إن حافلة الركاب الجديدة باهظة الثمن - بالنسبة لنا، لم تكن بديلا». وأضاف: «بالمقارنة مع الأسواق الأخرى، فإن حافلات ركاب السكك الحديدية لها عمر طويل»، مشيرا إلى أن العديد من عربات قطار سنالتاجيت تم إنتاجها في ألمانيا في السبعينيات.
وصل القطار إلى برلين قبل 10 دقائق من الموعد المحدد في صباح اليوم التالي، بعد حوالي 17 ساعة من مغادرته ستوكهولم. ولكن بسبب عمليات البناء، انتهت رحلة القطار، لتترك الركاب يشقوا طريقهم إلى وسط برلين.
من برلين إلى أمستردام
بينما كان المسافرون يتدفقون على رصيف المحطة الرئيسية في برلين، التقى بهم نشطاء بيئيون شجعوهم على أن يقولوا أمام الكاميرا باللغة الألمانية: «نعم، سأرحب بزيادة هذا المسار بقيمة 9 يوروهات!».
تريد الحكومة الألمانية مضاعفة عدد ركاب القطارات بحلول عام 2030، لذا حاولت هذا الصيف حث الناس على إلقاء نظرة جديدة على وسائل النقل العام، وتخفيف عبء التضخم مع عرض غير محدود للسفر بالسكك الحديدية والحافلات الإقليمية، بتكلفة رمزية 9 يوروهات. في نهاية التجربة التي استمرت ثلاثة أشهر، أفادت شركات السكك الحديدية الألمانية أنها باعت أكثر من 52 مليون تذكرة.
وفقا للتقديرات الأولية لاتحاد النقل العام، ربما وفرت التذاكر 1.8 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
أردنا محاولة الوصول إلى الحدود الهولندية من خلال السفر في الغالب باستخدام التذاكر ذات ال 9 يوروهات التي اشتريناها للتو. لكن التذاكر لم تكن صالحة في القطارات المباشرة بين برلين وأمستردام. لذلك قمنا بالتبديل من قطار إقليمي إلى آخر. وعندما وصل قطارنا إلى الحدود الهولندية، اصطدمت رحلتنا بأكبر عقبة: إضراب كبير للسكك الحديدية في هولندا.
في مقابلة، أخبرتنا وزيرة البيئة الهولندية فيفيان هايجنن أن هناك حاجة إلى إعادة هيكلة السكك الحديدية وزيادة تكاليف الصيانة وتقديم تحدي آخر لهدف البلاد المتمثل في زيادة الركاب على القطارات بنسبة 30% بحلول عام 2030.
من أمستردام إلى بوردو، فرنسا
أخذتنا المرحلة الأخيرة من رحلتنا من هولندا إلى فرنسا - كلا البلدين بدأ تشجيع ارتياد القطارات والحد من الرحلات الجوية كخيار.
كجزء من جهد للحد من انبعاثات الكربون بنسبة 40% بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 1990، تريد الحكومة الفرنسية حظر الرحلات الداخلية قصيرة المدى.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست سينديكيت»