الغزو الثقافي..«نتفلكس مثالاً»
بطبيعة الحال، فإن أي ثقافة وافدة تتغلغل في مجتمعاتنا وتحدث فرقاً أو أثراً ما، مرحب بها في حال كانت تحمل أفكاراً بناءة ذات فائدة ترتقي بالعقول وتحفز مكامن الإبداع والابتكار لدى جيل الشباب، وتساهم في الإثراء الثقافي في أوساط المجتمعات حين تنصهر مع ثقافاتنا الأصلية دون الإخلال بهويتنا الاجتماعية ودون المساس بقيمنا الدينية، فهي هنا ثقافات مطلوبة ومحل احترامنا وشغفنا، بل يتحتم علينا تشريع الأبواب لها، خصوصاً بعد عقود من اتساع الفجوة بين الثقافة المحلية، والثقافات الأخرى جراء الانغلاق الثقافي لأسباب ديموغرافية ودينية يطول الاستطراد فيها.
صدر بيان مهم يوم الثلاثاء الماضي للجنة مسؤولي الإعلام الإلكتروني بدول مجلس التعاون الخليجي، وطالب البيان منصة نتفلكس بإزالة أي محتوى يخالف ضوابط المحتوى الإعلامي في دول الخليج وكل ما يتعارض مع المبادئ والقيم الدينية والمجتمعية في المنطقة. وأكد البيان على ضرورة اتخاذ الإجراءات السريعة في ما يتعلق بالمحتوى الموجه للأطفال. وشدد البيان على ضرورة الالتزام بما تم التوجيه إليه، أو التعامل مع الأمر حسب القوانين الدولية، فالجميع يعلم مدى انتشار منصة نتفلكس بين فئات الشباب والأطفال وجميعنا يعلم الاستهلاك المفرط لهذه المنصة وغيرها. وجميعنا له تحفظات على ما يعرض خلالها من مشاهد تتنافى مع قيم مجتمعاتنا التي تستهجن ذلك، وترفض تربية أبنائها وشبابها على هذه المشاهد التي هي في الأساس تخالف الدين والقيم، ويتم حذفها من أي وسيلة متاحة لأنظمة الرقابة في دول مجلس التعاون، كما هو سارٍ في صالات السينما في دول الخليج العربي.
تعد منصة نتفليكس من أهم المنصات الرقمية العالمية في عرض الأفلام والمسلسلات والإنتاج، حيث بلغ عدد المشتركين في هذه المنصة 200 مليون مستخدم حول العالم منذ إنشائها.
وبالطبع فإن المستخدم في المنطقة العربية ومنطقة الخليج يُشكّل أهمية قصوى في دعمها وزيادة دخلها واستمرارها. وفي تقديري أن البيان الذي أصدرته دول مجلس التعاون بشأن حذف المحتوى المخالف سيلاقي صدى وتجاوباً سريعاً لدى إدارة المنصة، فقبل عدة أشهر طالبت الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع وهيئة الاتصالات في السعودية في بيان مشترك، موقع «يوتيوب» بإزالة إعلاناتها التي تتعارض مع القيم والمبادئ الإسلامية والمجتمعية، وذلك على خلفية شكاوى حول الإعلانات «الخادشة» على الموقع في المملكة. وقد أعلنت يوتيوب بالفعل إزالة الإعلانات «غير الملائمة» وإغلاق حسابات المعلنين فور مراجعتها، كذلك سبق أن تجاوبت غوغل لمطالبات مماثلة وحظرت العام الماضي أكثر من 286 مليون إعلان يروج لمحتوى غير ملائم لقيمنا الاجتماعية.
تُعد آثار الغزو الثقافي إذا تجاوزت القيم خطراً داهماً على النشء، وطمساً مخاتلاً للهوية والقيم الاجتماعية، فقد بنيت حضاراتنا بلبنات القيم العربية الأصيلة والقيم الدينية المعتدلة، فأنتجت أجيالاً سويةً انفتحت على العالم بثقافاته وعلومه ونتاجه الفكري والأدبي، وطوعت منجزاته التقنية والحضارية لخدمة الأوطان والارتقاء بها إلى مصاف الدول المتحضرة، بفلترة فاحصة دون الانغماس في سلبيات تلك الثقافات وانحرافاتها.
*كاتبة سعودية