محصول الأرز الإيطالي.. وتحدِّي الجفاف
لم تهطل الأمطار الغزيرة سوى في يوم واحد طوال العام، وكانت درجة الحرارة بعد الظهر تقترب مرة أخرى من 100 درجة، بينما كان فابريزيو ريزوتي في طريقه إلى حقوله التي تمتد على مساحة 220 فداناً مزروعةً بالأرز، وهو نبات يحتاج إلى مياه غزيرة. كانت سيقانُ الأرز جافةً ومتقزمة في الحقل الذي كانت تدوسه الأقدام بدلاً من أن تغمره المياه.
قال ريزوتي إن الأرز قد مات بالفعل، و«لا يمكن أن تأتي حبة أرز واحدة من هذا»، كما قال، مشيراً إلى حقل مجاور أكثر اخضراراً قليلاً، وبحاجة ماسة إلى المزيد الماء هو كذلك، وقال: «في غضون أيام قليلة سيموت هذا الحقل أيضاً». في الصيف شديد الحر بأوروبا، تضررت أماكن قليلة بشكل مباشر أكثر من شمال إيطاليا، حيث أدى الجفاف الشديد إلى جفاف نهر رئيسي، وأدى إلى حالة من الطوارئ، وعرّض الأراضي المسطحة الزراعية الشهيرة في البلاد لمشاكل كبيرة.
ويتسبب الجفاف أيضاً في قلق الإيطاليين بشأن الأشياء التي اعتبروها أمراً مسلماً به: ليس فقط حقول الأرز الخضراء النموذجية في هذه المنطقة، ولكن أيضاً الأطعمة المشتقة منها، خاصة وجبة الريزوتو التي ارتفع سعرها نتيجة ندرة محصول الأرز. طوال معظم حياته، كان ريزوتي يأكل الريزوتو عدة أيام خلال الأسبوع في الوجبات التي كانت تعدها والدته، ثم زوجته. يقول ريزوتي إنه لم يكن لديه خيار سوى الاستمرار في البذر لعام آخر.
فترة أخرى من العمل لمدة 15 ساعة يومياً، مدعوماً بوجبة من الريزوتو المحلي المفضل، المليء بلحم الخنزير والفاصوليا. لكن مع تزايد شيوع فترات المناخ القاسي، بدأ يعتبر الأرز سلعة ثمينةً. تتوقع المجموعة الزراعية الرئيسية في إيطاليا أن تكون الغلة هذا العام أقل بنسبة 30% من المعتاد. في جميع أنحاء مزرعة ريزوتي، يخمن مزارعو الأرز الآخرون ما إذا كانت السنوات المقبلة ستكون متشابهةً. في أخاديد الري التي تمتد على طول ممتلكات ريزوتي، والتي تتم تغذيتها بمساعدة نظام قناة محلي تم إنشاؤه في ستينيات القرن التاسع عشر، حيث يبلغ ارتفاع المياه عادةً عدةَ أقدام. أما الآن فليس هناك سوى خيط بسيط من المياه.
وفي الآونة الأخيرة، بعد ظهر أحد الأيام، مع تصبب العرق على جبينه، ركب سيارتَه وفحص أجزاءَ أخرى من ممتلكاته. يمكن أن تتغير حالةَ الحقل من مكان إلى آخر، اعتماداً على تركيبة التربة، والمسافة من قنوات المياه الرئيسية وقرارات المزارع. لكن حتى الحقول الأكثر صحة في أراضي ريزوتي، والتي تتمتع بأكبر قدر من المياه، كانت بها بقع خضراء داكنة تشير إلى بداية الجفاف. ويمكن سماع صوت الصراصير ورؤية حشرات اليعسوب ترفرف فوق العشب البني. كانت الحركة الأخرى الوحيدة هي حركة رشاش الحقل المجاور في الأفق، لتهوية القليل من الماء المتبقي عبر حقل ذرة. قال ريزوتي: «الجميع يواجه خياراتٍ صعبةً، وجاري يسقي الذرةَ لينقذ بقراته، لكنه ترك أرزَه يموت».
يمكن أن ينمو الأرز فقط عندما تغمره المياه، يقول المزارعون إن بوصة أو اثنتين من المياه الراكدة ستعمل عندما يكون النبات صغيراً، لكنه يحتاج إلى ست أو سبع بوصات في الصيف الحار. ويفتقد حقل أرز ريزوتي إلى كل تلك الظروف. في العام الماضي، أنتجت شركته 350 طناً من الأرز الأبيض. وقال إنهم سيكونون محظوظين هذا العام للوصول إلى 150 طناً. وهذا أفضل سيناريو، وعندها ستتراجع أرباحه من 30 ألف دولار إلى 15 ألف دولار. وأضاف: «الأمل الوحيد هو أن تبدأ الأمطار في الهطول». ووفقاً للتوقعات الجوية، فإن درجات الحرارة سترتفع إلى 100 درجة فهرنهايت مع سطوع الشمس بشكل متواصل طوال الأسبوع. هذا الجزء من إيطاليا، وهو سهل بين جبال الألب ونهر بو، هو المنطقة السائدة لزراعة الأرز في بلد ينتج نصفَ محصول الأرز في الاتحاد الأوروبي.
ويعد أرز أربوريو أشهر أنواع الأرز الإيطالي، وهو مرادف لدى الأميركيين للريزوتو. لكن في شمال إيطاليا، بين الجدات والطهاة على حد سواء، يتم الاستهزاء به باعتباره من الدرجة الثانية لأنه يتحول سريعاً إلى أرز طري ولا يحتفظ بشكله. أما الأرز الثمين، بدلاً من ذلك، فهو كارنارولي، الذي يبقى لفترة أطول. ويقول ريزوتي إن الحرارةَ والجفافَ يحددان عمله الآن، والذي يتعلق بشكل كبير في هذا الوقت من العام بإدارة المياه: تحديد الحقول التي تحصل على كمية المياه.
في اجتماعات الكونسورتيوم الذي يدير توزيع المياه بين المزارعين ووضع نظام الحصص، كانت هناك خلافات حادة ومباريات صراخ. ويعتبر ريزوتي نفسَه ليس مجرد مزارع، بل مستثمراً واستراتيجياً. والسؤال الأكثر صلة بالموضوع الآن هو ما إذا كان الجفاف الشديد حالة شاذة. بعض المزارعين الذين يعرفهم يراهنون على عودة الأمور إلى طبيعتها. لكن ريزوتي قال إن المزارعين قد لا يرغبون في مواجهة الواقع، لأنه مؤلم للغاية.
شيكو هارلان وستيفانو بيتريللي*
*مراسلان لصحيفة «واشنطن بوست» في روما.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»