اتفاق نووي بشروط أفضل!
تسارعت الأحداث بين الوكالة الدولية للطاقة الذرّية وإيران على نحو جعل مديرَ الوكالة رافايل غروسي يحذّر من «ضربة قاضية» للمفاوضات النووية، إذا نفّذت إيران قرارَها إغلاقَ 27 كاميرا ركّبها مفتشو الوكالة لمراقبة أنشطة المواقع النووية.
وكانت طهران قد أنذرت الوكالة، بل أنذرت عملياً الدول الـ35 الأعضاء في مجلس محافظي الوكالة، بأن أي انتقاد لها سيكون «خطأً سياسياً غير بنّاء» وسيكون لها «ردّ قوي ومؤثر» عليه، معتبرةً أن تقارير الوكالة غير موضوعية. لكن مجلس المحافظين اتخذ قراراً بأكثرية ثلاثين دولةً يدعو إيران إلى التعاون مع الوكالة لإزالة أي غموض بشأن آثار يورانيوم مخصّب عثر عليها في ثلاثة مواقع لم يُعلَن عن وجود أنشطة نووية فيها.
وكان الناطق باسم منظمة الطاقة الذرّية الإيرانية صرّح بأنها غير ملزمة بالسماح بتفتيش مواقع غير نووية أو الردّ على أسئلة عن مواقع غير معلن عنها، لكنها «بناءً على نهج طوعي» قدّمت كل المعلومات والوثائق الضرورية، إلا أن الوكالة واصلت المطالبةَ بالردّ على أسئلتها. لطالما تفادت طهران أي خلاف مع الوكالة، لأنه إذا تفاقم يُحال إلى مجلس الأمن، ولذا فقد اتفقت معها على خريطة طريق لحسم الإشكال الأخير بحلول شهر يونيو الحالي.
حصل ذلك مطلع مارس الماضي، بالتزامن مع توقّف مفاوضات فيينا، حين كانت الدول المعنية تشيع انطباعاً بأن «الاتفاق» على إحياء اتفاق 2015، أصبح جاهزاً للتوقيع. لكن تبيّن أن بضعة شروط إيرانية (بينها رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأميركية) ظلّت عالقةً واستمرّت كذلك، رغم أن حلولاً وسطاً أميركية وأوروبية طُرحت لمعالجتها، ومنها مثلاً إجراء تفاوض منفصل على القضايا غير النووية. وكانت طهران قد اشترطت منذ البداية حصر التفاوض بالملف النووي، وعرضت واشنطن منذ البداية أيضاً رفع كل العقوبات المرتبطة بالشأن النووي، أما الخلاف على تصنيف «الحرس» فيتعلّق بالبرنامج الصاروخي والسياسات الإقليمية، أي بملفّين ترفض طهران أي تفاوض في شأنهما.
الواقع أنه لا بد من العودة إلى العام 2018، لحظة الانسحاب الأميركي من اتفاق 2015 وبدء فرض عقوبات جديدة على إيران، لتحديد معالم استراتيجيتها للردّ المباشر على الحدث والتعامل معه على المدى الطويل. ففي 2019 بدأت طهران مسلسل تقليص الالتزامات المفروضة على نشاطها النووي، بمضاعفة أجهزة الطرد المركزي المتطوّرة وبزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم وتخزينه، واستندت في ذلك إلى مجموعة قوانين سنّها «مجلس الشورى» (البرلمان الإيراني) وكانت واضحةً، نصاً وروحاً، بأنها لا تعترف بأي قيود مستقبلية على البرنامج النووي.
في أبريل 2021 عاد التفاوض بين مجموعة الـ5+1 وإيران للعمل على اتفاق يجدد قيودَ اتفاق 2015، لكن طهران واظبت خلال التفاوض على التخصيب المكثّف، وصولاً إلى 60 في المئة، وأدخلت نظام التفتيش والمراقبة في مرحلة اضطراب. استخلص العديد من الخبراء باكراً أن إيران تفاوض من أجل هدفَين: رفع «كل العقوبات» بلا استثناء، والحصول على اعتراف بالتطويرات التي أدخلتها على برنامجها النووي «السلمي».
وقد عنى التذكير الدائم بـ«خطوطها الحمر» أن لديها محدّدات داخلية تمنع العودة إلى «كل التزامات» الاتفاق السابق. واستناداً إلى المعلومات المتوفّرة فإن الاتفاق الجديد حلّ نظرياً مسألة العقوبات الاقتصادية، لكن استمرار العقوبات السياسية يحول دون التوقيع عليه ودون اعتباره «انتصاراً» لإيران. وإذ طرأت حرب أوكرانيا، بـ«آفاقها» الروسية المفتوحة على «نظام دولي جديد»، فإن طهران ربما وجدت فرصةً غير متوقعة للحصول على اتفاق بشروط أفضل، حتى لو اضطرّت للتشدّد أو لتحدي الوكالة الذرّية.
*كاتب ومعلق سياسي -لندن