الاختيار والقرار: المحبة والسلام
في ظل التغيرات العالمية الكبرى التي بدأت في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين وتسارعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، يصبح القادة والدول على محك الاختبار لتحديد الاختيار واتخاذ القرار، وهذا ليس بالأمر الهين أو السهل، ويدرك ذلك من جلس في مقعد المسؤولية وعرف أبعادها وتبعاتها.
وهذه التغيرات التي نشهدها قد مر مثلها أو قريبٌ من ذلك بعد الحرب العالمية الثانية، وهناك أوضح القائد المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» الاختيار واتخاذ القرار، ولا يكون هذا الاختيار إلا بمجموعة معطيات، ولكل واحد منها مسلك وطريق غير الآخر، وبالتالي تكون نتيجته غير الاختيارات الأخرى.
إن القائد المؤسس، طيب الله ثراه، قد حدد بوضوح أن اختياره والطريق الذي يسلكه بهذا الوطن هو طريق المحبة والسلام، واتخذ هذا القرار الخطير في حينه بين كتلتين عالميتين وكثير من الدول تتأرجح بينهما، وقد كان هذا الاختيار وهذا القرار عين الحكمة والصواب مما جعله بركة وخيرًا على هذا الوطن وأهله، ومحبةً للقائد المؤسس ولهذا الوطن من كل شعوب العالم على اختلاف توجهاتها، وفي عالم مضطرب وكتل متصارعة، ها نحن اليوم نشهد هذا الاختيار واتخاذ نفس القرار من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، إذ أعلنها لأبناء هذا الوطن وللعالم كله فقال: (رسالة نحن ورثناها من القائد المؤسس الشيخ زايد رحمة ربي عليه، وهو صاحب رسالة سلام ورسالة محبة من بداية حياته في إنشاء هذه الدولة، هذه رؤيته ونحن على هذا الطريق نسير).
إن التغيرات العالمية الكبرى قد تغير في واقع المدن وحدود الدول، وشكل الأنظمة، ولكنها لا تغير المبادئ العظيمة والأفكار الإنسانية السديدة، ولا الاختيارات الصائبة والقرارات الرشيدة، بل إن المعارك العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ومعارك الحياة كلها عندما تنجلي وتنتهي سترجع إلى رحاب هذه المبادئ العظيمة وتستند إليها وترفع شأنها وشأن أصحابها.
إن القائد الفذ (شبيه زايد)، حفظه الله، وقد تشرب هذه المبادئ الأساسية من القائد الوالد، طيب الله ثراه، فأصبحت سلوكًا راسخًا في تفكيره وأعماله، كان يدرك وهو يتواصل مع العالم أنه في كل يوم يَجدُّ حدثٌ جديدٌ، والمعارك تأخذ أشكالاً كثيرةً، ولهذا جعل من هذه المبادئ: المحبة والسلام أساسا لإنجازات عظمى داخلية وخارجية يمكن تلخيصها في النقاط التالية: أولاً: تحقيق الأمن الداخلي لهذا الوطن بواسع معانيه؛ فالأمن ينطوي تحته أشياء كثيرة إذا فقد شيء منها شعر الإنسان بالخوف، منها الأمن الغذائي من الماء والغذاء، والأمن الصحي من الدواء وأسباب الشفاء، والأمن ضد الجريمة الفردية والمنظمة، والأمن من المخاطر المحتملة بين الأفراد والأمن الإعلامي الذي يثير القلاقل والفتن، والأمن السياسي الذي يجنب الناس التكتلات التي تتصارع فيما بينها فرقًا وأحزابًا، والأمن الاقتصادي الذي يوفر للناس الوصول إلى حاجاتهم بسهولة.
خلاصة الأمن الداخلي أن يكون المجتمع والوطن كله في استقرار واطمئنان وليس فيه ما يعكر صفوه، أو يبث خلاف الفرقة فيه أو ينشر القلاقل. وإن القائد الفذ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، منذ عقود وهو يبذل الجهود الكبيرة، لتحقيق هذا المطلب الأساسي في حياة الشعوب والدول، وإذا كنا نرى أن دولاً ذات رسوخ في التاريخ والحضارة تهتز في هذه الأيام وقبلها جراء التغيرات المتسارعة، فإن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد قد لخص كل اهتمامات المواطنين والمقيمين بكلمتين اثنتين (لا تشلون همّ)، وسموه إذا وعد أوفى، ولهذا فإن التغيرات العالمية القريبة والبعيدة لن تنال شيئًا من هذا الوطن بإذن الله، وكأن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، يقول لهذه الأحداث:
سقف بيتي حديد * ركن بيتي حجر
فاعصفي يا رياح وانتحب يا شجر
واقصفي يا رعود لست أخشى الخطر
إن الأمن الذي يعيشه هذا الوطن والذي جاء نتيجة جهود طويلة ومباركة، قائم على مبدأ المحبة بين القيادة والمواطنين، والإيمان بالسِّلم الاجتماعي بأوسع معانيه، ليشعر الناس بمعنى الحياة والاستقرار وله بذلك منزلة عالية.
ثانياً: المحافظة على الأمن الخارجي: وهذا الأمن الخارجي لا يتم ولا يكون إلا بقوة خشنة وقوة ناعمة، وأما الخشنة فهي القوة العسكرية والأمنية التي تجعل الدول الأخرى والشعوب الأخرى تقرُّ بهيبة الدولة والوطن، وتزرع هذه القوة الهبة في قلوبهم ويخافون (صولة المستأسد الحامي)، وإن ذلك قد سهر عليه القائد الفذ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، فأصبح للإمارات جيش عتيد يتمتع بأعلى المعايير العسكرية العالمية مع الشجاعة التي فُطر عليها أبناء هذا الوطن، فجيش الإمارات وإن كان قليلاً عدده إلا أنه شديد بأسه، صعب مراسه، بقوته الذاتية وإمكانياته التكنولوجية والفنية وتدريباته العالمية التي أهلته ليكون في مصافِّ الجيوش العظمى. وإن مشاركاته في التداريب بأنواعها الجوية والبرية والبحرية والفنية مع أفضل الجيوش تقدماً تشهد له بذلك، من هنا فإن هذا الوطن له قيادة صلبة، وحماية محكمة، فأطماع الطامعين وتربص المتربصين تتكسر على حدوده، بل قبل أن يصلوا إليها بكثير، وهذه هي الاستراتيجيات الحدية التي وضعها باني هذا الجيش العتيد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله.
وإن القائد الأمين الساهر على هذا الوطن قد جعل المعارض للصناعات الدفاعية والعسكرية جزءاً من أنشطة الوطن وثقافته، ليحقق مكاسب معنوية ومادية، ومن أهمها الصدارة في هذا الميدان ومعرفة الفكر الإنساني العسكري أين يتوجه ويسير، وتحفيز العقول المبدعة من أبناء الوطن ليكونوا في إبداع مستمر، وقد حصل كثير من هذا، وليتذكر الجميع أن السلام لا يستمر إلا إذا كان الخصم خائفا من الحرب.
ثالثاً: القوة الناعمة التي ترسخ مكانة الوطن عالمياً: فمبدأ المحبة التي وضعه القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لا يفرق بين شعب وآخر ودولة وأخرى، أو دين وآخر أو لون أو ثقافة، وهذا ما أعطى للقائد المؤسس حبُّا في أرجاء العالم وثقة به وبوطنه ودولته، اليوم نجد (شبيه زايد) الذي عاش في هذه القيم منذ طفولته ودعا لها في شبابه فأصبح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رائد التسامح الإنساني، وله محبة في القلوب في أجزاء العالم كله، بهذه المحبة والثقة به أصبح فكره ورأيه في القضايا الإنسانية والدولية مرجعية عالمية حتى أصبحت الإمارات في العامين 21/ 22 قلب العالم النابض، وأبوظبي عاصمة العواصم العالمية كلها شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالا، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، يرسخ بين البشر كلهم هذا المبدأ مبدأ المحبة والسلام، فالواردون إليها من قادة العالم وزعمائه ومفكريه ومبدعيه وأصحاب التأثير فيه، ولم يكونوا بهذه الكيفية في دولة أخرى وهم ينشدون الحكمة وسداد الرأي من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وإن هذه القوة المعنوية الناعمة ما كانت إلا برسالة المحبة ورسالة السلام اللتين هما عماد مدرسة الشيخ زايد، طيب الله، ثراه في السياسة والحكم، وهما عماد مدرسة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد التي يبثها في أرجاء العالم، وتعطي مزيدًا من الثمار لهذا الوطن، وكم هي حاجة العالم اليوم مع هذه التقلبات العالمية المؤلمة لوضع هذين المبدأين أساسا للتلاقي، ومن هنا جاء تأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، عليها في هذا الوقت العالمي العصيب، فهو اختيار واضح من سموّه، حفظه الله، وقرار راسخ.
رابعاً: القائد الناجح هو الذي يرتقي بوطنه إلى ذرى المجد ويبقيه هناك: أي يحافظ عليه في القمة لأمد طويل بل لأطول مدة، وذلك بالحفاظ على مكتسباته من الأمن والاقتصاد والقوة المادية والمعنوية وغيرها فيدير معاركه بحنكة وذكاء تبعاً للتقلبات والتطورات وإن القادة العالميين الكبار الذين يصنعون الأوطان ويسطرون أمجادها هم الذين يرقبون الأحداث والتطورات الصغرى والكبرى بعقولهم وأحاسيسهم التي تدرك المستقبل فيعدلون خططهم طبقاً لما تمليه مصلحة الوطن وسلامته والحفاظ على مكتسباته، ويجنبونه المخاطر والأذى والضياع.
وإن القائد الفذ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، يفاجئ أبناء الوطن بل والعالم بإضافة مكسب جديد لهذا الوطن كل صباح وكل أسبوع وكل شهر، من إنجاز عملاق أو مأثرة متميزة أو عمل خارج حدود الوطن يزيد في محبته وأمنه ورسوخ مكانته، وهذه هي استمرارية الازدهار والبقاء في الصدارة، من يتابع الأحداث العالمية والتطور الإنساني، يجد أن هذا شيء تفرد به هذا الوطن في خضم هذه الأحداث العاتية، وذلك بفكر القائد الفذ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، وكثيرا ما يؤكد بقوله وفعله واثقاً حفظه الله، أن المستقبل في الخمسين القادمة سيكون أفضل وأجمل من الخمسين المنصرمة. وإني موقن أن مبادئ مدرسة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: المحبة والسلام، ومدرسة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد الواسعة الأرجاء ستبقى مرجعية عالمية مدى الأيام، فرحم الله القائد المؤسس، وحفظ الله دار زايد وأهلها من العوادي والفتن.
المستشار الدكتور: فاروق محمود حمادة *
*المستشار الديني بديوان ولي عهد أبوظبي.