نهج اقتصادي يلائم التغيرات السياسية
انقضى العصر القصير لصنع السياسة الاقتصادية التقدمية، وأدَّت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع قصير الأجل على الأقل في أسعار السلع الأولية مثل النفط، وجعلت التضخم والأمن القومي أكثر حضوراً في أذهان الناخبين. وعادةً ما تكون انتخابات التجديد النصفي صعبةً بالنسبة لحزب الرئيس الذي يشغل المنصب، وحالياً يبدو احتمال التقاسم بين الحزبين في انتخابات عام 2023 أكثر ترجيحاً من احتمال احتفاظ «الديمقراطيين» بالسيطرة على كل من الكونجرس والبيت الأبيض. لكن على المرء ألا يتوقع أن يكون عام 2023 تكراراً للبيئة السياسية السائدة في عام 2011 بعد أن اكتسح «الجمهوريون» الكونجرس في عهد الرئيس باراك أوباما. فحينذاك، كان الاقتصاد يعاني ارتفاع معدلات البطالة، و«الجمهوريون» لم يهتموا بزيادة الإنفاق، مما أدى إلى معارك سياسية كثيرة على مدى بضع سنوات تالية. ولذا شهدت الولايات المتحدة نمواً اقتصادياً أبطأ ومعدلاتِ بطالةٍ أعلى مما كان حادثاً في ظل وجود قائمة أولويات داعمة للإنفاق. والآن، في عام 2022، تتزايد احتمالات أن يظل التضخم مصدر قلق، وأن يصبح الأمن القومي وأمن الطاقة غالبين على تفكير معظم الأميركيين. ولأن الأفكار التقدمية لن تمضي قدماً على الأرجح في هذه المرحلة، فستحظى سياسات يمين الوسط المدعومة من الديمقراطيين والجمهوريين معاً بأكبر الاهتمام. وفيما يلي بعض الأمور التي أود حدوثها. فإذا ظل التضخم مصدر قلق في 2023، فأفضل الهيئات تأهلاً لمواجهتها هي الاحتياط الاتحادي. وبدلا من رفع أسعار الفائدة، كما سيفعل هذا العام، مع إبقائها تحت تقديرات الحياد البالغة 2.5%، ينبغي أن يتِّبع نهجاً أكثر تقييداً، وزيادةَ سعر فائدة التمويل الاتحادي إلى 3% أو أكثر.
وما زال هناك وقت هذا العام تتعافي فيه سلاسل التوريد وتعود فيه العوامل المرتبطة بالجائحة إلى وضعها الطبيعي، ولذا لا يحتمل أن يكون هذا ضرورياً. لكن يحتمل أيضاً أن يكون الأمر كذلك. ويجب أن نتوقع تحرك الاحتياط الاتحادي في هذا الاتجاه إذا واصل التضخمُ ارتفاعَه متجاوزاً 4% العام المقبل. والكونجرس لا يخلو من المسؤولية حين يتعلق الأمر بالتضخم، لكن سياسات كثيرة قد يقرها ربما تستغرق سنوات حتى تؤتي ثمارَها مثل الاستثمارات في البنية التحتية. لكن هناك سياسة يمكنها أن تساعد في تخفيف مصدر كبير للتضخم قصير الأجل تتمثل في ضريبة الاستهلاك على السلع المعمرة مثل السيارات والأجهزة المنزلية. وعلى الرغم من عدم تمتع هذه الضريبة بشعبية، فهي وسيلة أكثر فعالية بكثير من خفض الطلب. فالسلع المعمرة تشكل 13% من سلة مؤشر أسعار المستهلك، وقد ارتفعت أسعارها بنسبة 18.4% خلال العام الماضي، ونادراً ما ارتفعت أسعارها بالمرة في معظم السنوات. وفرض ضرائب على هذه الأنواع من السلع لعددٍ من الأشهر، أو حتى تعود أسعارها إلى وضعها الطبيعي، سيستهدف منطقةَ تضخم رئيسية كبديل لمعدلات فائدة أعلى. ويمكن رفع الضريبة بمجرد أن تنخفض الأسعار. ويعتبر تقاطع الأمن القومي وأمن الطاقة من أكثر المجالات المغرية للاتحاد في ظل الانقسام بين السلطتين، التنفيذية والتشريعية، بين الحزبين. وقد يتجسد هذا على أفضل ما يكون في السناتور الديمقراطي جو مانشن المنحدر من ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب. فقد أطلق مانشن يوم الأربعاء دعوةً على تويتر من أجل «استقلال أميركا في الطاقة الآن»، وربَطها بالأمن القومي.
لدى كل من الجمهوريين والديمقراطيين متسع للاتفاق هنا. فربما كان استغناء الأميركيين عن النفط الأجنبي باسم الأمن القومي حلماً بعيدَ المنال قبل 20 عاماً، لكنه أصبح حلماً معقولا الآن. وقد يعني هذا على المدى القصير، كما جادل زميلي في «بلومبيرج»، كارل سميث، في الأيام القليلة الماضية، تحفيزَ شركات النفط المحلية على زيادة الإنتاج. وأود المضي قدماً بتفكيري؛ فنحن في عقد انتقالي عندما يتعلق الأمر بالطاقة في الولايات المتحدة حيث نعزز الاستثمار والإنتاج في مصادر الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مع الاستمرار في الاعتماد على النفط والغاز. وكما نشهد الآن، ما زالت الاضطرابات في إمدادات الوقود الأحفوري مؤلمة للغاية. ولدى شركات المرافق معدل عائد منتظم على استثماراتها. ويمكننا استخدام ضمان مماثل لزيادة إنتاج النفط، بشرط التخلي عن هذه السياسة بعد عددٍ من السنوات حين تصبح مصادر الطاقة المتجددة كافيةً للاعتماد عليها.
ولتخفيف معارضة نشطاء المناخ، يجب أن تكون زيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة والبنية التحتية جزءاً من الصفقة. يجب أن يكون إنتاج الطاقة النووية مطروحاً على طاولة النقاش أيضاً. وكما تعلمت ألمانيا، فإن التخلص التدريجي من الطاقة النووية قبل أن تتمكن المصادر المتجددة من تعويض الركود، يفاقم من اعتماد البلاد على النفط الأجنبي. وهذا ليس مجدياً، سواء على أساس المناخ أو على أساس الأمن القومي. وهذه بداية قائمة أفكار يمين الوسط المحتملة، لكنها توضح العقلية التي يجب أن نتحلى بها في مضينا قدماً. فالرياح السياسية تتغير ومخاوف الأمن القومي تتصاعد والتضخم أكثر صموداً مما اعتقدنا في البداية. وهناك مجال للاتفاق على معالجة هذه القضايا، لكنها ستحتاج إلى بعض التأييد من الرئيس بايدن وأعضاء مجلس الشيوخ مثل مانشن والجمهوريين في الكونجرس، بدلاً من الاعتماد على اتفاق آراء الحزب الديمقراطي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»