الأبعاد الاستراتيجية لزيارة الرئيس التركي
تشير نتائج وأجواء الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الإمارات في بداية الأسبوع الحالي، إلى وجود إرادة سياسية مشتركة لتطوير وتعميق الشراكة الاستراتيجية الاقتصادية منها والتجارية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية التركية، ودخول هذه الشراكة مرحلة جديدة تتماشى مع تطلعات قيادتي البلدين، حيث تبدو هذه الشراكة مرشحة للمزيد من التطور والتقدم بفعل تعمق التعاون واتساع آفاق الرؤى المشتركة بحثاً عن التنمية والأمن والاستقرار من خلال التنسيق بين قيادتي البلدين حيال مجمل قضايا المنطقة والعالم.
إن تحليل المؤشرات والشواهد يؤكد أن هذه الزيارة حملت دفعة قوية لصيغة الشراكة الاستراتيجية التي باتت تؤطر علاقات البلدين منذ أن وقعها الجانبان خلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى أنقرة في نوفمبر 2021.
وتأكيداً على خصوصية العلاقات بين البلدين، أكد الرئيس التركي في مستهل زيارته الرسمية للدولة بأن «التقارب بين البلدين مفتاح السلام والاستقرار والتعاون والتنمية في المنطقة»، هذا التصريح القوي في دلالاته ينطوي على أهمية سياسية بالغة لما يعكسه من ارتقاء مستوى التعاون، ومن ثم التنسيق بين القيادتين الإماراتية والتركية إلى مستويات غير مسبوقة، مؤكداً الرئيس أردوغان بـأن «أمن منطقة الخليج واستقرارها وازدهارها جزء لا يتجزء من أمن تركيا واستقرارها»، في دلالة قوية على وجود رؤى مشتركة وتفاهم عميق حول مجمل القضايا والأزمات الإقليمية، وحول دور كل من الامارات وتركيا في التعاطي مع مختلف ملفات المنطقة وأزماتها، بما يعكس العمق الحيوي للشراكة الاستراتيجية القائمة بين البلدين الصديقين، لاسيما أن الرئيس التركي قد أكد في سلسلة تغريدات قبل بدء زيارته للامارات بأن « الحوار والتعاون بين الامارات وتركيا لهما أهمية كبيرة من أجل السلام والاستقرار في المنطقة بأكملها».
لقد جاءت هذه الزيارة لتقوي العلاقات الشخصية المتميزة بين قيادتي البلدين، حيث ترجمت الزيارات الرسمية والعلاقات الدبلوماسية تلك العلاقة، خصوصاً الزيارة التاريخية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى أنقره، والتي أسست لقفزة كبيرة في تطور العلاقات بين الإمارات وتركيا، ولعلاقة صداقة وطيدة ومتميزة بين البلدين.
ويعكس الاستقبال الرسمي الحافل للرئيس التركي في دولة الامارات ليس فقط حفاوة الاستقبال للضيف الكبير، ولكن يعكس أيضاً مدى اهتمام القيادة الرشيدة لدولة الامارات بترسيخ أواصر الشراكة الاستراتيجية مع الجمهورية التركية، وهو ما أكدته تصريحات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حيث قال «إن الامارات حريصة على التعاون مع تركيا لمواجهة التحديات المشتركة المتعددة التي تشهدها المنطقة عبر الحوار والتفاهم والتشاور والحلول الدبلوماسية».
يقود التقدير والاحترام والثقة المتبادلة والعلاقات القوية بين القيادتين الإماراتية والتركية إلى بناء توقعات إيجابية بشأن مستقبل الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الصديقين، لاسيما في ظل مقومات هذه العلاقات الأساسية الداعمة ومنها دورهما المحوري في تحقيق الأمن والاستقرار على المستوى الإقليمي، والمصالح الاستراتيجية المشتركة، اقتصادياً وتجاريا واستثمارياً وعلمياً وثقافياً، وموقف البلدين الثابت والحاسم بشأن مواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف، باعتبارها تشكل تهديداً عالمياً يستهدف الكل من دون استثناء، مما يتطلب مزيداً من التنسيق والتعاون الدولي والإقليمي لمواجهة خطرها على الأمن والاستقرار العالميين، وهي أولويات وأهداف تعني أن الشراكة قائمة على دراسات استباقية دقيقة وأن هناك جدية وعزماً على تنفيذ بنودها والاستفادة مما توفره هذه الشراكة الواعدة من فرص لمستقبل البلدين والشعبين الصديقين.
لاشك أن امتلاك علاقات شراكة استراتيجية قوية للإمارات مع تركيا يعزز قدرة الدبلوماسية الإماراتية على التحرك والمناورة وتحقيق أهدافها ومصالحها الاستراتيجية، فالإمارات تمتلك علاقات قوية متميزة مع الفاعلين الدوليين المؤثرين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان والاتحاد الأوروبي، كتكتل ودول منفردة، فضلاً عن الاقتصادات الصاعدة جميعها، ما يعزز ويعكس مبادئ الإمارات القائمة على الانفتاح والعمل على ترسيخ السلام والمصالح المشتركة للدول والشعوب بما يسهم في تحقيق الأمن والسلم الدوليين.
فالقيادة الإماراتية تمتلك رؤية استراتيجية واضحة في بناء علاقاتها الدولية وتطويرها، وهي حريصة على التعاون مع العالم بأسره من دون استثناء لضمان مستقبل مزدهر لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.
* إعلامي وكاتب إماراتي