وصمة الجذام.. ظلم تاريخي مستمر
تقيم العديد من المؤسسات والمنظمات العاملة في مجال الصحة الدولية، فعاليات وأنشطة متنوعة، إحياءً لليوم العالمي لمرض الجذام (World Leprosy Day)، والذي يحل كل عام يوم الأحد الأخير من شهر يناير.
ويتم إحياء هذا اليوم منذ عام 1954، وقد اختير موعده إجلالاً وإكراماً لحياة الزعيم الهندي الراحل «المهاتما غاندي»، والذي عرف عنه تعاطفه الشديد وحنوه ودعمه لمرضى الجذام، في وقت كان ينتشر فيه المرض على نطاق واسع. وقبل أن نتعرض للوصمة التي لازمت مرضى الجذام منذ بداية التاريخ، حيث كان الجذام موجوداً في الحضارات القديمة، مثل الصين ومصر والهند، ومنذ آلاف السنين، وربما حتى بين سكان الكهوف، يجب أولاً أن نتوقف قليلاً للتعرف على هذا المرض. فالجذام هو مرض بكتيري معدٍ ومزمن، يصيب أعصاب المناطق الباردة من الجسم، مثل اليدين والقدمين والوجه.
وإن كانت العدوى به تتطلب التعامل والتواصل مع الشخص المصاب لفترات طويلة جداً. وحتى بين مَن يتعرضون للميكروب لفترات طويلة، نجد أن خمسة في المئة فقط من أفراد الجنس البشري معرضون للعدوى.
وغالباً ما لا تحدث هذه العدوى إلا في حالات سوء التغذية الشديدة لدى المتعرِّض للميكروب لفترات طويلة جداً. هذه الأسباب ربما كانت التفسير الوحيد خلف العدد المنخفض نسبياً من حالات العدوى السنوية بميكروب الجذام، مقارنةً مثلاً بميكروب السل الذي يصيب مئات الملايين سنوياً. ومنذ ثمانينيات القرن الماضي أصبح من الممكن علاج مرضى الجذام باستخدام كوكتيل من ثلاثة أنواع من العقاقير، وهو ما لم يكن ممكناً سابقاً.
ولذا، ومنذ عام 2000، لم يعد الجذام يشكل خطراً على الصحة العامة، إلا أنه ما زال يشكل عقبةً لدى آلاف الأشخاص حول العالم، بسبب الوصمة التاريخية التي التصقت به، والتي لا تفسد حياة المصابين فقط، بل أيضاً حياة عائلاتهم، وربما مجتمعات كاملة عن بكرة أبيها. فقبل معرفة طبيعة المرض، وحتى بعد إدراك ماهيته، لطالما تعرَّض مرضى الجذام عبر التاريخ للرفض والعزلة والطرد، سواء من مجتمعاتهم أو حتى من عائلاتهم.
فالمخاوف والخرافات التي ارتبطت تاريخياً بهذا المرض، أدت إلى سياسة عزل المصابين عن مجتمعاتهم رغماً عنهم، وقصر إقامتهم على ما يعرف بمستعمرات الجذام، والتي كانت تُبنى غالباً في جزر معزولة، بهدف وضع المجذومين تحت الحجر الصحي إلى نهاية حياتهم. وللأسف لا يزال هذا الظلم التاريخي مستمراً حتى يومنا هذا، وإن كان يتخذ حالياً أشكالاً أخرى، من الوصم والعار والتمييز السلبي، تجاه أشخاص لا ذنب لهم في مرضهم.
*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية