خَرَفُ الشيخوخة.. إصابات تتضاعف
توقعت دراسة نشرت في العدد الأخير من إحدى الدوريات الطبية المرموقة (The Lancet)، تضاعف أعداد المصابين بخَرَفُ الشيخوخة من 57 مليون حالياً إلى 153 مليون بحلول عام 2050. وتتباين هذه الزيادة بين دول ومناطق العالم المختلفة، وإن كان يتوقع أن تزداد أعداد المصابين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من 3 ملايين حالياً إلى 14 مليوناً، في غضون العقود الثلاثة القادمة. ويعزى هذا الارتفاع إلى الزيادة السكانية على مستوى العالم، وإلى الارتفاع الحاصل في مؤمل أو متوسط العمر لأفراد الجنس البشري عموماً، ضمن الظاهرة المعروفة بشيخوخة المجتمعات.
وتتوافق توقعات هذه الدراسة التي أجريت في 192 دولة، مع ما أظهرته سابقاً البيانات والإحصاءات، بوقوع إصابة جديدة بخَرَفُ أو عته الشيخوخة بمرور كل ثلاث ثوان.
كما ازداد مؤخراً الإدراك بأهمية نمط أو نوعية الحياة غير الصحية في زيادة احتمالات الإصابة، مثل التدخين، والسمنة، والإصابة بمرض السكري، حيث أصبحت أصابع الاتهام توجه إلى عوامل الخطر تلك وحدها، في إصابة أكثر من 6 ملايين شخص.
ويندرج تحت خَرَفُ أو عَتَه الشيخوخة (Dementia) عدد من الأمراض التي تؤثر على الذاكرة، والسلوك، وغيرهما من القدرات الذهنية، بدرجة تعيق قدرة المصاب على القيام بالنشاطات اليومية المعتادة. ورغم أن التقدم في العمر يعتبر من أهم عوامل الخطر للإصابة بالخَرَفُ، إلا أن الخَرَفُ لا يعتبر مساراً طبيعياً للشيخوخة، بمعنى أن التقدم في العمر لا يؤدي بالضرورة للإصابة بالخَرَفُ.
ويعتبر مرض الزهايمر أكثر أنواع الخَرَفُ انتشاراً، وبنسبة ما بين 60 إلى 70 في المئة من إجمالي الحالات، إلا أنه ليس بالمرض الوحيد المندرج تحت منظومة العَتَه أو الخَرَفُ. وفي ظل حقيقة أنه حتى يومنا هذا، لا يوجد عقار أو دواء معروف يمكنه أن يمنع، أو حتى أن يؤخر من الإصابة، ويهدف المتوفر من أساليب علاجية -والمحدودة جداً- إلى التركيز على إدارة المرض وخفض أعراضه وتبعاته على حياة الشخص اليومية. ومؤخراً اتجه تركيز العلماء والأطباء إلى الوقاية من خلال التحكم في عوامل الخطر، بهدف تأجيل تسببها في إصابة الشخص في سن مبكرة.
وهو إذا ما تحقق، فيمكن حتى للإنجازات البسيطة في هذا المجال، أن تكون ذات عائد مجزي، بالنظر إلى عشرات الملايين المتوقع إصابتهم خلال العقود القادمة. ويأمل الأطباء في تحقيق هذا الهدف، من خلال تبني استراتيجيات وتفعيل برامج منخفضة التكلفة، تأخذ في الاعتبار الظروف المحلية، لدعم نمط أو أسلوب حياة صحي، من خلال الإقلاع عن التدخين، وتناول غذاء صحي متوازن، وممارسة الرياضة والنشاط البدني، مع تحسين ورفع مستوى التعليم، والذي ثبت أنه ذو تأثير هام في تأجيل الإصابة بالخرف، وخفض شدة أعراضه إذا ما أصيب الشخص به.
* كاتب متخصص في القضايا العلمية.