عندما تلقت جامبيا شحنتها الأولى المكونة من 36 ألف جرعة من لقاح كوفيد-19 في مارس الماضي من خلال المبادرة العالمية «كوفاكس»، سادت حالة من التفاؤل في وزارة الصحة بهذه الدول الواقعة في غرب أفريقيا. يقول مصطفة بيتاي، مدير الخدمات الصحية بالوزارة: «أعطينا الناس الجرعة الأولى، وأبلغناهم بموعد الجرعة الثانية». هذه الشحنة الأولية والقدرة على التخطيط لمواصلة عملية التطعيم عززت الإحساس بأن العالم كان يعمل على الوفاء بالتزامه الذي قطعه في بداية الجائحة. ففي أبريل 2020، قامت البلدان الغنية والمؤسسات الدولية بإنشاء آلية «كوفاكس»، وتعهدت بضمان حصول دول العالم على لقاحات فيروس كورونا- بما في ذلك أفقر دول العالم.
في الواقع، كان «كوفاكس» هو بمثابة اعتراف بمفهوم المساواة في الحصول على اللقاحات وإدراك أن الوباء في عالم شديد العولمة يعني أنه لا يمكن لأي بلد أن يأمل في هزيمة كوفيد-19 بمفرده. وفقاً لعلماء الأوبئة، فإن انتشار الفيروس بغير ضابط بين السكان غير المحصنين يزيد من احتمال ظهور متغيرات متحولة من الفيروس تكون أكثر فتكاً أو منيعة على اللقاحات المتاحة أو كلا الأمرين.
لكن هذا الشعور المبكر «بأننا جميعاً في هذا» سرعان ما استسلم للضغوط المحلية والدافع إلى الاعتناء بالذات. نظراً لأن البلدان الغنية التي لديها موارد مالية تشتري إمدادات اللقاح وتخزنها، فقد تجاوزت الاتفاقات الثنائية بين البلدان ومصنعي اللقاحات الخطة العالمية لتوزيع اللقاحات.
في جامبيا، كان هذا يعني توقف برنامج التطعيم الذي بدأ بأمل مزدهر. مرت الأشهر دون وصول شحنة ثانية من الجرعات. ووصلت الشحنات اللاحقة دون إشعار مسبق، وغالباً ما كانت تختلف عما تم التعهد به، وأحياناً على وشك انتهاء الصلاحية.
يقول بيتاي: «كان الناس يتصلون بنا كل يوم، ويسألون عن موعد تلقي جرعتهم الثانية، ونحن ببساطة لا نعرف».
تكررت هذه الحالة من عدم اليقين وخيبة الأمل التي مرت بها جامبيا في كثير من أنحاء أفريقيا وفي دول أخرى من أفقر دول العالم.
في البداية، وزعت آلية كوفاكس، التي لاقت ترحيباً في البداية باعتبارها المعادل العظيم في تلقيح العالم، 5% فقط من لقاحات كوفيد-19 في العالم. والنتيجة أن أفريقيا لقحت حوالي 6% فقط من السكان البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
وتذكر العالم أهمية هذه الآلية عندما ظهر متحور أوميكرون أواخر الشهر الماضي، ويبدو أنه نشأ في جنوب أفريقيا. بحلول يوم الجمعة الماضي، تم الإبلاغ عن حالات الإصابة بالسلالة الجديدة في بضع عشرات من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة. وأدى عدم اليقين بشأن المتغير الجديد، الذي يُعتقد أنه شديد العدوى، إلى تهاوي الأسواق المالية، وفرضت البلدان حظراً على السفر لمحاولة احتواء انتشاره.
ومع ذلك، بالنسبة للعديد من خبراء الصحة العالميين، فإن ظهور أوميكرون يؤكد الحكمة العملية وراء المساواة في توزيع اللقاحات والتي تم إنشاء آلية كوفاكس بسببها. كما يضيف الخبراء أن ذلك يجب أن يدفع إلى إحياء فكرة أنه في حالة حدوث جائحة، فإن مساعدة الآخرين تتعلق بالحفاظ على الذات بقدر ما تتعلق بالعمل الخيري.
يقول ريتشارد مارلينك، مدير معهد روتجرز للصحة العالمية وخبير في النظم الصحية الأفريقية: «يمكننا انتقاد كوفاكس، لكنها كانت اقتراح العالم للتصدي لهذه الجائحة، ولم يتخذ العالم فكرة المساواة في توزيع اللقاحات على محمل الجد».
ويضيف: «المساواة في توزيع اللقاحات ليس مجرد إيثار، ولكن ضرورة للخروج من هذا الوباء. هذا هو الدرس الرئيسي الذي يجب أن نتعلمه، ولكن من الواضح أننا لم نتعلم ذلك بعد». من ناحية أخرى، استغل بعض القادة ومسؤولي الصحة الدوليين ظهور سلالة جديدة من فيروس كورونا لتوبيخ العالم على النتائج السيئة لحملة التطعيم العالمية.
في أعقاب اكتشاف أوميكرون، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس: «لا يمكن إلقاء اللوم على شعوب أفريقيا بسبب المستوى المتدني بشكل غير أخلاقي للقاحات المتاحة لهم». وقال تيدروس أدهانوم جيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، هذا الأسبوع: «نحن نتفهم وندعم مسؤولية كل حكومة عن حماية شعبها، إنه أمر طبيعي. لكن المساواة في توزيع اللقاحات ليست عملاً خيرياً، ولا يمكن لأي بلد حماية نفسها من الوباء بمفردها دون لقاحات».
بينما كانت المبادرة التي تتألف من مؤسسات دولية، بما في ذلك اليونيسيف والتحالف الدولي للأمصال واللقاحات (جافي)، تركز على تأمين التمويل لشراء الجرعات، كانت البلدان الغنية تتفاوض مع مصنعي اللقاحات وتشتري شهوراً من الإنتاج الذي كان لا يزال يتوسع.
وحدثت انتكاسة أخرى عندما مُنع معهد الأمصال الهندي، وهو المورد الرئيسي لآلية كوفاكس، من تصدير جرعات اللقاح.
كان حظر التصدير هو رد الهند على الارتفاع المفاجئ في الإصابات بعد ظهور متغير دلتا للفيروس. لكنه أيضاً دعم منتقدي كوفاكس الذين حذروا من أن الاعتماد على مصنع واحد قد يكون كارثياً.
وأدى قطع الإمدادات المنتظر وصولها إلى إرسال بعض الدول التي اشتركت بآلية كوفاكس إلى السوق العالمية لتنظر ما يمكن أن تجده وتوفره. ولكن ما واجهوه كان مثبطاً للهمم.
تقول «كاثرين بليس»، الخبيرة في وحدة سياسات الصحة العالمية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن: «اتجهت البلدان التي فوجئت بضوابط التصدير الهندية، إلى التفاوض، إما بشكل فردي أو في جماعات مثل الاتحاد الأفريقي، مع الشركات المصنعة للحصول على الإمدادات، لكنها واجهت حقيقة صادمة وهي أن بيئة البقاء للأصلح (أو الأكثر ثراء) لم تكن في صالح البلدان الأكثر فقراً».
ومع ذلك، يقول بعض الخبراء إنهم يرون أسباباً للتفاؤل الحذر بشأن ما ينتظرنا في المستقبل بالنسبة لتوزيع اللقاحات ومعدلات التطعيم العالمية.
يشير مسؤولو جافي إلى أن كوفاكس قامت بشحن 223 مليون جرعة إلى أفريقيا، مع تخصيص 289 مليون جرعة أخرى. ويقول المتحدث باسم (جافي) إن نصف مليار جرعة ستكون كافية لتغطية العاملين في الخطوط الأمامية في أفريقيا والسكان الأكثر ضعفاً، بما في ذلك كبار السن. ووفقاً لتحالف (جافي)، فإن جهود التطعيم العالمية قد دخلت مرحلة جديدة تكون فيها الإمدادات أكثر وفرة، ويكون من السهل التنبؤ بموعد التسليم- مما يسهل التخطيط.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»