وأخيراً عُينت الحكومة المغربية الجديدة، وهي مكونة من 24 وزيراً بينهم 7 نساء، بالإضافة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش. وقد عُيِّن الأخير غداة تصدّر حزبه «التجمع الوطني للأحرار» الانتخابات البرلمانية التي عقدت في 8 سبتمبر، ملحِقاً هزيمةً عاتيةً بـ«حزب العدالة والتنمية» الذي قاد الحكومة لولايتين متتاليتين.
وتشكّلت الحكومة المغربية من حزبي «التجمع الوطني للأحرار» و«الأصالة المعاصرة» اللذين يصنفان ضمن التوجه الليبرالي، و«حزب الاستقلال» التاريخي الذي يصنّف ضمن وسط اليمين، إضافة إلى الوزارات السيادية التي تتولاها شخصيات غير منتمية لأحزاب سياسية.
كما أن هاته الحكومة هي ثالث حكومة مغربية في إطار آخر دستور عرفه المغرب، وهو دستور يوليو 2011، وهي تجمع وزراء راكموا خبرةً حكوميةً كبيرةً وآخرين دخلوا الحكومة لأول مرة في تاريخهم، منهم من جاء من مسارات مهنية متميزة أجادوا فيها، ولهم أيضاً مسار تكويني من أعرق الجامعات في العالم، وآخرون صعدوا سلم العمل الحزبي تدريجياً.
وتنتظر الحكومةَ المغربيةَ الجديدةَ تحدياتٌ جسامٌ في محيط إقليمي ودولي مطبوع بالتقلب والتوجس والغموض واللايقين. ومن أبرز هذه التحديات تفعيل النموذج التنموي الجديد الذي كان قد قدّمه شكيب بنموسى إلى الملك محمد السادس مؤخراً، وهو حصيلة أشهُر من التفكير والنقاش الاستراتيجي والتفاعل مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين والمدنيين والسياسيين على المستوى الوطني والجهوي والمحلي. وينطلق هذا النموذج من أن المغرب يزخر بمؤهلات كبيرة يمكنه الاعتماد عليها كأساس لتحقيق التنمية المستدامة وتسريعها. وعلى رأس هذه المؤهلات هناك ثراء رأسماله المادي وغير المادي، وتاريخه وإشعاعه الدولي، وموقعه الجغرافي.
ويقترح هذا النموذج ترجمةَ المكتسبات إلى أهداف تنموية جريئة ليتبوأ المغربُ مكانَتَه ضمن الثلث الأول من ترتيب الدول في مجالات عديدة في أفق عام 2035، من خلال مضاعفة الناتج الداخلي الخام ونصيب الفرد منه، وضمان امتلاك 90 في المائة من التلاميذ للتخصصات التعليمية المواكِبة لأهم المناهج العالمية الناجحة. كما أنه أيضاً من بين تلك الأهداف الرفعُ من معدل التأطير الطبي للملاءمة مع معايير منظمة الصحة العالمية، وتقليص نسبة الشغل في القطاع غير المهيكل إلى 20 في المائة، والوصول إلى نسبة رضا المواطنين على الإدارة والخدمات العمومية تزيد عن 80 في المائة.
ومن أجل تحقيق هذه الطموحات التي ينشدها النموذج التنموي الجديد والتي ستشكل لا محالة خريطة طريق عمل الحكومة الجديدة، هناك أربعة محاور لا مناص من العمل الجماعي في إطارها:
أولاً، تطوير الاقتصاد، ثانياً، تعزيز الرأسمال البشري، وهذا يتطلب إصلاحات أساسية وسريعة لكل من أنظمة الصحة والتربية والتعليم والتكوين المهني.. ثالثاً، مساهمة كل المواطنين والمواطنات في الدينامية الوطنية للتنمية. ثم رابعاً وأخيراً، تطوير المجالات الترابية لتصبح فاعلاً رئيسياً في إعداد السياسات العمومية وإنجازها.
وقد أظهر المغرب قدرةً على الصمود في وجه الأزمات الإقليمية متعددة الأشكال والأطراف، وهو ما أكد عليه الملك محمد السادس في خطابه منذ أيام إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية الحادية عشرة، إذ من المتوقع أن يحقق المغرب نسبة نمو تفوق 5.5 في المائة عام 2021، وهي نسبة لم تتحقق منذ سنوات، كما أنها تعد من بين الأعلى على الصعيدين الإقليمي والقاري. كما أنه من المرجح أن يسجل القطاع الفلاحي، خلال هذه السنة، نمواً متميزاً يفوق 17 في المائة، وهي نتائج جيدة للموسم الفلاحي، حيث حققت الصادرات ارتفاعاً ملحوظاً في عدد من القطاعات، كصناعة السيارات والنسيج والصناعات الإلكترونية والكهربائية، وارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بما يقارب 16 في المائة. وعرفت تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج زيادةً بحوالي 46 في المائة، إلى غاية شهر أغسطس الماضي. وقد ساهمت هذه التطورات في تمكين المغرب من التوفر على احتياطات مريحة من العملة الصعبة، تمثل سبعة أشهر من الواردات...كما أنه تم التحكم، كما جاء في الخطاب الملكي، في نسبة التضخم عند حدود 1 في المائة، بعيداً عن النسب المرتفعة لعدد من اقتصادات المنطقة. وهذه المؤشرات تبعث على التفاؤل والأمل، وستمكن الحكومةَ الجديدةَ من العمل انطلاقاً من الثقة المتواجدة وتفعيل ما تم القطع به من وعود تجاه الناخبين.
أكاديمي مغربي