شهد إقليم الشرق الأوسط تطوراً إيجابياً ملموساً باتجاه تحقيق الاستقرار والتعاون الإقليمي. ورغم صحة ما يقال ويبدو واضحاً عن حالة عدم الاستقرار التي تتحدى عدداً من دول الإقليم فإن أحداثاً إيجابية كثيرة تشجع على القول بأن الإقليم يتجه خطوات ملموسة وإيجابية نحو الاستقرار والعمل والتعاون المشترك بين الدول في إدارة الفرص والتحديات القائمة. ويمكن الإشارة على سبيل المثال إلى جولة سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني في دولة الإمارات العربية المتحدة على رأس وفد إماراتي في دول المنطقة، والتي شملت كلا من تركيا والأردن وقطر، وقابل خلالها الرئيس التركي والملك الأردني والأمير القطري. وكذلك مؤتمر قمة بغداد الذي شهد بالإضافة إلى الاتفاق على العمل المشترك ومواجهة عدم الاستقرار والإرهاب والتطرف، لقاءات ثنائية بين رؤساء الدول والوفود، مما أعطى رسائل وإشارات إيجابية. وتتحسن العلاقات الأردنية الإسرائيلية بمجيء الحكومة الجديدة برئاسة نفتالي، وتشهد تعاوناً ملموساً في مجال الماء والطاقة المتجددة. وكانت كل الإمارات والبحرين والمغرب قد تقدمت خطوات إيجابية ملموسة في تكريس السلام والعمل على التسوية السلمية للصراع الذي عطل التنمية والاستقرار وحرّك العنف لفترة طويلة من الزمن. ويؤمّل أن تشهد ليبيا حالة من الاستقرار ونهاية العنف الذي عصف بها لأكثر من عقد من الزمان.
ويراقب العالم، وخاصة دول جنوب آسيا وغرب وجنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا، ما يجري في أفغانستان. ورغم الخوف والقلل من تداعيات ما يحدث هناك، فإن رسائل إيجابية تصدر من أفغانستان تشجع على نشوء فرص للاستقرار ونهاية أو خفض العنف في هذا البلد الذي يعاني من الصراعات والانقسامات منذ نصف قرن، أي الأزمة التي امتدت متوالياتها لتشمل العالم، وإن كان الشرق الأوسط هو الأكثر تأثراً بما جرى ويجري في أفغانستان، حيث سبق أن انطلقت من هناك جماعات العنف المسلح التي هددت السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي والاقتصادي لدول ومجتمعات المنطقة.
وتنسحب الولايات المتحدة من العراق وأفغانستان منهيةً عشرين عاماً من التدخلات العسكرية والأمنية. وهو انسحاب رغم ما ينشئه من فراغ، فإنه يمنح البلدين، ومن ورائهما دول المنطقة، فرصةً إيجابية لبناء تماسك اجتماعي شامل باتجاه التعاون الاقتصادي والأمني والاعتماد على الذات، إذ لا يمكن أن يساعدنا أحدٌ سوانا، ولا يمكن بناء ثقة عامة ومصداقية وشرعية سياسية من غير سيادة وطنية للدول على ترابها وشعوبها، ومن غير قواعد اجتماعية واقتصادية واسعة وشاملة لحماية العمليات السياسية والمؤسسات التنظيمية والتشريعية للأمم.
لقد كان الدرس الأكثر أهمية في صراعات وأحداث السنوات والعقود الأخيرة أنه لا يمكن الانتصار النهائي بالقوة العسكرية والأمنية وحدها، مهما كانت الوفرة التكنولوجية والقدرة العسكرية، وأن قوة الأمم وازدهارها تعتمد على السلام والمصالح المشتركة أكثر من القوة العسكرية والأمنية، على ضرورتهما وأهميتها بالطبع، لكنها ضرورات لحماية السلام والمصالح. فالصراع والحرب هما ما يجب أن يكون آخر ما تريده الأمم. وببساطة فإن التقدم هو الإجابة الصحيحة على السؤال المؤسِّس: «كيف نعيش حياتنا؟»، فالأمم والحكومات تشغلها الحياة الأفضل لشعوبها، والأفراد يجب أن يشغلهم تحسين حياتهم، وحول هذا السؤال والانشغال تنشأ الثقافات والقيم والموارد والعلاقات والدبلوماسية الدولية.
الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط، رغم أهميتها لا تكفي لبناء سلام وازدهار، لكنها بالتأكيد خطوات وأحداث إيجابية.
كاتب أردني