على الرغم من مرور 20 سنة من المعارك اليومية والإنفاق الأميركي على الجيش الأفغاني بما يقارب 88.3 مليار دولار أميركي، وجهود إعادة الإعمار ذات صلة بالأمن، اجتاحت «طالبان» البلاد بأكملها في غضون أسابيع، واستيلاء على أسلحة وذخائر ستقوي قدراتها طالبان وتعزز قبضتها على المدن التي تسيطر عليها، علماً بأن عدد الجيش الأفغاني يصل قرابة 300 ألف جندي يخدمون الحكومة الأفغانية مقارنة بما لدى «طالبان» من قوات يبلغ عددها 80 ألف من المقاتلين. والمشكلة تكمن في أن أميركا خرجت من أفغانستان تاركةً وراءها جيشاً يعتمد اعتماداً تاماً على معلومات استخباراتية أميركية، وغير مدرب على التعامل مع التمردات الداخلية، مع إهمال القرى التي خرجت منها «طالبان».
بينما ينكشف سوء تقدير الإدارة الأميركية في تسرع بايدن للانسحاب الكارثي من أفغانستان، تعكف الجهات السياسية في روسيا والصين على بناء علاقات مع «طالبان»، والتي لديها مصالح استراتيجية بشروط عدم تحول أفغانستان إلى بؤرة إرهابية لتنظيم «القاعدة» تدعو إلى «الجهاد» كما حصل عند الانسحاب الأميركي من العراق وبروز «داعش» وأخواتها.
كما تجدر الإشارة إلى أن أهمية أفغانستان بالنسبة للدول العظمي مثل روسيا، وذلك من أجل ضمان أمن الأراضي المجاورة لحدودها، وتقليل تأثير القوى الأجنبية في تلك المناطق مع عدم التأثير على المشاريع الاقتصادية التي تنفذها أو تعتزم تنفيذها. أما بالنسبة للصين والتي لديها مصالح اقتصادية في «مبادرة الحزام والطريق» من خلال ربط أفغانستان بالموانئ البحرية الباكستانية، فإنها ستوفر فرصاً اقتصادية جديدة. إلى جانب مشروع ممول من الصين بالقرب من كابول في إنشاء أحد أكبر مناجم النحاس في العالم. لغة المصالح في أفغانستان لا يهمها حقوق الإنسان أو حقوق المرأة، وإنما يهمها الفرص الذهبية التي تملئ الفراغ الأميركي.
ويبدو أن الإدارة الأميركية الحالية ترغب في تخفيض الإنفاق جراء سحب قواتها من أفغانستان أو إعادة توجيه تنافسها مع الصين في جنوب شرق آسيا في ظل الخروقات البحرية مؤخراً على السفن في بحر عُمان. ومن هنا فإن معادلة أمن الخليج قد تتحول جذرياً في حال عقد «طالبان» شراكة أكبر مع إيران مثلاً. إلى جانب آخر تقع دول الخليج العربي على بعد ألفين كيلومتر فقط من أفغانستان، وهي مسافة ليست ببعيدة، فمن المهم لدول الخليج أن تكون جزءاً من المفاوضات السياسية مع «طالبان»، وحث الشعب الأفغاني على تقرير مصيره، بالإضافة إلى تعزيز الشراكات الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول المجاورة لأفغانستان واستغلال قوتها المالية، من أجل التعامل مع أصحاب المصلحة المحليين لرسم مسار نحو السلام ودحض الإرهاب.
باحث إماراتي في القضايا الجيوسياسية