شهد الأسبوعان الأخيران احتجاجات واسعة، حيث خرج الآلاف إلى الشوارع في هافانا من أجل التعبير عن سخطهم من تداعيات أزمة كوفيد - 19، والأهم من ذلك من تدهور الاقتصاد. وبعد تأثرها بانهيار السياحة، التي تُعد ركناً رئيسياً من أركان الاقتصاد، كافحت الحكومة من أجل الحفاظ على مستوى المعيشة المنخفض جداً للشعب الكوبي الذي يعاني منذ عقود. ومع استمرار عقوبات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، انتقل راؤول كاسترو – شقيق المؤسس الثوري للنظام، فيديل كاسترو – إلى دور قيادي رمزي، ثم ظهرت موجة متحور دلتا تضرب الجزيرة، لتندلع الاضطرابات.
فما الذي ينبغي للولايات المتحدة أن تفعله من أجل مساعدة الشعب الكوبي؟ وقبل عقد من الزمان، كان واضحا أن النظام سيواجه يوما ما حسابا من قبل الجماهير المستاءة على نحو متزايد. وإذا كان من المغري القول إن ذاك اليوم قد حل، فإن تقييمي الشخصي هو أن النظام ما زال يمتلك سيطرة قوية، وسيكون قادراً على الصمود في وجه العاصفة الحالية واجتيازها.
عقب المظاهرات استطاعت الحكومة تنظيم مظاهرات مضادة، فأوقفت العديد من زعماء الاحتجاجات. وما زال النظام الحالي، بقيادة الرئيس ميجيل دياز كانل، يمسك بكل دواليب السلطة. وكدأبها دائماً، تدعم الجالية الأميركية- الكوبية في ميامي بقوة سياسة أميركية نشطة لمساعدة الشعب الكوبي. ومع وجود مليون ونصف المليون أميركي- كوبي، لديهم مستوى تعليمي عال ونشطين سياسياً في جنوب فلوريدا، فإن ممثليهم في واشنطن يحثّون إدارة الرئيس جو بايدن على مساعدة قضية الحرية في الجزيرة.
وهكذا، دعا السيناتور ماركو روبيو، وهو ابن مهاجرين كوبيين، إلى دعم مهم للمحتجين، محذراً من أن النظام الكوبي قد يدفع في اتجاه هجرة جماعية بحجم «نزوح مارييل» في 1980، ومشدداً على ضرورة ألا تنصاع الولايات المتحدة لـ«الابتزاز». وتريد الأغلبية في الحزب «الجمهوري» الإبقاء على عقوبات السفر وسياسات عقابية أخرى كانت إدارة ترامب قد اتخذتها في حق كوبا، كما حثّ البعض البيت الأبيض على إيجاد طريقة لمساعدة المحتجين على الوصول إلى شبكة الإنترنت. ولكن المأزق بالنسبة لإدارة بايدن هو أن هناك تأييدا فاترا، في أفضل الأحوال، بين «الديمقراطيين» لتدخل قوي.
ومما لا شك فيه أن المخاوف بشأن التزام الديمقراطيين بالإطاحة بالنظام كانت مسؤولة عن فوز ترامب بأغلبية من أصوات الأميركيين- الكوبيين في فلوريدا في انتخابات 2020. بل إن هناك أصواتا، على اليسار، تضغط في اتجاه رفع العقوبات، وذلك على أساس أن من شأن ذلك أن يسمح بالحوار وتغيير ممكن في النظام. وقد كانت تلك مقاربة إدارة الرئيس باراك أوباما قبل أن يغيّر فريق ترامب الاتجاه. وكان بايدن قد أشار في البداية إلى أنه سيعود إلى مقاربة أوباما، ولكن قبل القيام بالتغييرات، أطلقت الاحتجاجات نقاشاً داخلياً مهماً حول المقاربة الصحيحة.
ويوم الخميس، أعلن بايدن عن بعض العقوبات في حق بعض مسؤولي النظام رداً على قمع المحتجين. ولعل أفضل طريقة للتقدم للأمام هي تقسيم الفرق في موقفي الحزبين. وهذا يعني الإبقاء على العقوبات الحالية من أجل مواصلة الضغط على النظام، وزيادة الضغط السياسي عبر التحالف مع دول أخرى في المنطقة. غير أنه سيكون من المنطقي أيضاً تعيين خبير في أميركا اللاتينية من مستوى عالٍ ويحظى بالتقدير والاحترام من أجل الذهاب إلى هافانا، وفتح قناة تواصل جدية (يقفز إلى ذهني هنا اسم روبرتا جكوبسون، وهي سفيرة سابقة إلى المكسيك – فهي تتمتع بتجربة كبيرة في التعامل مع النظام الكوبي).
إن مقاربة العصا والجزرة هذه قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تخفيف قبضة النظام على السلطة. وهذا سيكون شبيهاً نوعاً ما بالمقاربة ذات الشقين التي أفضت في النهاية إلى إنهاء حركة التمرد في كولومبيا. كما ينبغي على الإدارة الأميركية إعادة التأكيد على أهمية المحطة البحرية في خليج غوانتانامو، ولكن ليس من أجل احتجاز معتقلي الإرهاب القلائل المتبقين، الذين يمكن نقلهم إلى سجون أميركية شديدة الحراسة. القاعدة البحرية لها قيمة استراتيجية متواصلة بالنظر إلى موقعها الاستراتيجي في قلب منطقة الكاريبي ودورها الرمزي كموطئ قدم للحرية هناك.
* قائد أعلى سابق لقوات «الناتو»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»