عانى الساحل الغربي للولايات المتحدة من أزمة تشرد حتى قبل الوباء. والآن، بات الوضع أكثر سوءاً. ولكن لحسن الحظ، فإن الحل موجود بالفعل: فقط امنح المشردين مكاناً للعيش فيه. لقد ساعد الرئيس «الجمهوري» جورج دبليو بوش في إثبات فعالية هذه الفكرة البسيطة. وما نحتاجه هو العودة إلى سياساته الناجحة.
العيش في سان فرانسيسكو، كما هو الحال معي، يجعلك تدرك تماماً مشكلة التشرد. فلا توجد مدن من الخيام أسفل الجسور فحسب، بل أيضاً على امتداد مساحات كاملة من الشارع، محاطة بالنفايات المؤسفة لممتلكات الفقراء الضئيلة. وينام الرجال والنساء في المداخل تحت أكوام من البطانيات القذرة.
من غير المعقول أن يضطر الكثير من المواطنين إلى الانغماس في مستوى من الدنس يناسب العصور الوسطى في منطقة تنتج الكثير من الثروات. والأزمة ليست سيئة للمشردين أنفسهم، إنها تجعل مدناً مثل سان فرانسيسكو وسياتل ولوس أنجلوس ذات سمعة سيئة وغير آمنة، وتجعل مجرد السير في الشارع تجربة غير سارة.
كانت ظاهرة التشرد في أميركا تتناقص حتى عام 2016 تقريباً، ثم انعكس هذا الاتجاه. ارتفع معدل التشرد المزمن بنسبة 15% خلال الفترة من 2019 -2020 فقط، بينما ارتفع معدل التشرد بلا مأوى بنسبة 7%. وتحمّل الساحل الغربي وطأة هذه الزيادة. على عكس الصورة الشائعة للمتشردين الذين يتجولون في جميع أنحاء البلاد بحثاً عن مدن ترحب بهم، أصبح معظم المشردين في سان فرانسيسكو بلا مأوى أثناء إقامتهم في المدينة، و8% منهم فقط جاءوا من خارج الولاية.
ويشير هذا بقوة إلى أن ارتفاع الإيجارات وراء زيادة التشرد منذ عام 2016، لا سيما في مدن الساحل الغربي باهظة الثمن، والتي رفضت بناء مساكن كافية لاستيعاب النمو السكاني. والآن، أضاف كوفيد-19 إلى المشكلة، فبعض الأشخاص ذوي الدخل المنخفض الذين سقطوا سهواً من برامج الإغاثة الحكومية ولا يستطيعون دفع إيجاراتهم، لن يجدوا مكاناً يذهبون إليه سوى الشوارع.
والمأساة هي أننا نعرف بالفعل كيف نحد من مشكلة التشرد. قبل ثماني سنوات، كان الأشخاص الذين انتبهوا لهذه القضية يحتفلون بانخفاض دراماتيكي استمر لعدة سنوات في عدد الأميركيين الذين يعيشون في الشوارع. وخلال الفترة من 2005-2007، انخفض التشرد المزمن بنسبة 30% -وبعد ذلك، وعلى الرغم من الركود العظيم، انخفض بنسبة 15% أخرى بحلول 2013. والسبب هو سياسة بعنوان «الإسكان أولاً»، نفذتها إدارة جورج دبليو بوش واستمرت خلال ولاية باراك أوباما الأولى. ولكن على الرغم من أن التكلفة كانت متواضعة –أقل من ملياري دولار سنوياً –فقد تم تقويضها بسبب التقشف وانتهت في نهاية المطاف في عهد الرئيس دونالد ترامب.
لم تكن سياسة الإسكان أولاً اختراعاً. فهي تستند إلى فكرة أساسية مفادها أن التشرد –كما يوحي الاسم –يتعلق بعدم وجود منزل. وبدلاً من مطالبة الناس بالانتباه لجدية الوضع أو تلبية المتطلبات الأخرى الصعبة قبل الحصول على مساحة معيشية تمولها الحكومة، تمنح سياسة الإسكان أولاً الناس الأمان من خلال العيش تحت سقف، ثم تعمل على جعلهم ينتبهون لأهمية الحصول على وظيفة. إنه اعتراف بأن المأوى شرط أساسي لتحسين الذات. بالإضافة إلى الحقيقة الفظة المتمثلة في تراجع التشرد من 2005-2013، هناك الكثير من الأبحاث التي تظهر أن الإسكان أولاً هو سياسة فعالة. وهو ليست حالة تحتاج فيها الحكومة إلى إنفاق المزيد –فالأموال التي يتم توفيرها من الخدمات الاجتماعية تعوض إلى حد كبير المبلغ الإضافي الذي يتم إنفاقه على الإسكان، لأنه من الأسهل بكثير رعاية الأشخاص عندما لا يكونون في الشارع.
في أعقاب الجائحة، تبذل بعض الولايات والمدن جهوداً شجاعة لمكافحة التشرد. ويعد مشروع «هومكي» في كاليفورنيا، وهو خطة لتحويل الفنادق الصغيرة (الموتيلات) وغيرها من العقارات إلى ملاجئ، لها بالفعل آثار إيجابية. هذا ليس مصادفة. فحاكم الولاية، جافين نيوسوم، يتلقى المشورة من فيليب مانجانو، الذي وضع سياسة بوش الناجحة لمكافحة التشرد.
لكن ما نحتاجه حقاً هو الأموال الفيدرالية. إذا تُركت الولايات والمدن لأساليبها الخاصة، فستعاني من ضائقة مالية كبيرة عند شراء مساكن للمشردين، وسيشعر البعض بالقلق من أن توفير الإسكان سيؤدي ببساطة إلى جذب المزيد من الأشخاص المحتاجين من أماكن أخرى. لحسن الحظ، قدمت الحكومة الفيدرالية مثل هذه الأموال بموجب قانون كيرز لعام 2020 (حزمة محفزات اقتصادية بقيمة 2.2 تريليون دولار أقرها الكونجرس الأميركي)، وقانون الإغاثة الذي اقترحه بايدن هذا العام. لكن هذه البرامج تكون مؤقتة، وكما هو الحال مع مشروع هومكي، فإنها تركز على توفير المأوى لفترة قصيرة، وبعض الولايات حتى لا تأخذ المال.
تحتاج الحكومة الفيدرالية إلى مهاجمة ليس فقط الزيادة المتوقعة في أعداد المشردين جراء فيروس كورونا، ولكن الارتفاع طويل المدى الذي بدا قبل خمس سنوات. إن العودة إلى سياسة الإسكان أولاً التي وضعها بوش لن تكلف الكثير، ولكن سيكون لها تأثيرات هائلة على تحسين الجودة وجاذبية المدن الأميركية، فضلاً عن تخفيف معاناة من هم أقل حظاً في المجتمع.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»