على الرغم من التقدم المحرز في سياق مواجهة فيروس كورونا حول العالم، فإن توقعات أداء الاقتصاد العالمي لم تخرج من إطار التفاؤل الحذر في ظل القلق المُسيطر على الأسواق والناتج عن تطورات مواجهة تفشي متحورات جديدة. واعتمدت أغلبية الشركات على تقنيات رقمية مكنتها من الاستمرار في ممارسة الأعمال التجارية في ظل اقتصاد عالمي مترابط، فما يحصل في أي جزء من العالم يؤثر على الدول الأخرى، وهذا ما جعل الاقتصادات المتقدمة أقل تأثراً بتداعيات الجائحة، في حين أن الاقتصادات الفقيرة والصاعدة تعاني بصورة أكبر، على خلاف الوضع أثناء الأزمة المالية العالمية عام 2008، عندما كانت الدول المتقدمة الأشد تضرراً، في حين كانت الاقتصادات النامية والصاعدة الأقل تضرراً. مع العلم أن الأزمة المالية العالمية عام 2008 كانت أزمة مالية بحتة وليست أزمة تمس صحة الإنسان.
ومن جانب آخر، لم يقع عبء هذه الجائحة بالتساوي بين دول العالم. وقد أظهرت بطاقة قياس مؤلفة من 31 مقياساً شملت 162 دولة تحت إشراف مؤسسة «أوكسفورد إيكونوميكس»، أن الفلبين وبيرو وكولومبيا وغيرها هي الاقتصادات الأشد عرضة للتداعيات طويلة المدى للجائحة، في حين أن أستراليا واليابان والنرويج وألمانيا وسويسرا بين الدول الأفضل في التعافي من الجائحة. كما حذر وزراء المال في مجموعة العشرين مؤخراً، من سلسلة أخطار تلقي بثقلها على نهوض الاقتصاد العالمي بسبب تفشي متحورات جديدة من كوفيد-19 ووتيرات متفاوتة لعمليات التلقيح واطمئنان الشعوب لها ما قد يؤدي إلى نمو اقتصادي غير متوازن، ذلك أن دولاً سوف تتمكن من تحريك الاقتصاد بعد كورونا، بينما أخرى ستجد صعوبة في ذلك.
ولا أعتقد أن الحكومات تستطيع الإنفاق إلى أجل غير مسمى، وقد لا يملأ الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري الفجوة. بالإضافة إلى ارتفاع نسب التضخم والديون السيادية، بعد الحزم المالية التحفيزية التي تقدمها الحكومات لمواجهة تبعات الجائحة وارتفاع الديون العالمية لتصل إلى 281 تريليون دولار في نهاية عام الجائحة 2020، ما يمثل نحو 355 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في العالم حسب إحصاءات بلومبيرج. ولن يكون النمو الاقتصادي بنفس الوتيرة في جميع القطاعات، حيث أظهر تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد»، أن انهيار السياحة الدولية الناجم عن الجائحة سيكلف الاقتصاد العالمي 4 تريليونات دولار في عامي 2020 و2021.
وبالرغم من كل التحديات، توقعت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني نمو اقتصاد الإمارات خلال العام الجاري بنسبة 1.8% والعام المقبل بـ 3.8% ما يعكس أهمية التوزيع السريع للقاح كورونا والتي بلغت نسبة كبيرة من متلقي الجرعتين. وحدث «إكسبو دبي 2020» سيسرع عملية تعافي الاقتصاد الوطني. بالإضافة إلى تهيئة حكومة الإمارات الظروف المواتية في تحول الاقتصاد بحيث يتجاوز لحظة كورونا عبر ازدهار الاقتصاد الرقمي ونمو السياحة الداخلية وتعزيز الاستثمارات في الأمن الغذائي والصحي. وأيضاً، زيادة الاستثمار في قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ما يفسر نجاح اقتصاد الإمارات خلال لحظة كورونا، ما خلق 100 ألف وظيفة بقطاع التجزئة والتجارة الإلكترونية و148 ألف وظيفة بقطاع المالية والتقنية والاتصالات في عام 2020.