من تسرب النفط إلى فجوات المناجم المفتوحة وقطع الأشجار الجائر والصيد البحري الجائر، يواصل البشر تشويه الكوكب رغم تلال التشريعات واللوائح والنوايا الحسنة. ويريد بعض المحامين عن البيئة أن يجعلوا تدمير نظام بيئي جريمة دولية يطلقون عليها «التطهير البيئي» لتصبح على قدم المساواة مع «التطهير العرقي» أو باعتباره جريمة حرب. وعرقل المحاولات السابقة تحديات تعريف ما قد يشكل جريمة. لكن في غمرة المخاوف المتصاعدة من تغير المناخ، نُشر تعريف جديد قد يجعل التطهير البيئي أول جريمة تضاف إلى القانون الدولي منذ عام 1948.
ما التطهير البيئي؟ في عام 1970، نحت المصطلح عالم الأحياء الأميركي آرثر جلاستون. وفي عام 1972، استخدم رئيس الوزراء السويدي في ذاك الوقت، «أولوف بالمه» المصطلح في إشارة إلى استخدام الولايات المتحدة مادة كيماوية لإسقاط الأوراق في حرب فيتنام للتخلص من الغطاء الأخضر والمحاصيل التي كانت قوات العدو تحتمي بها. ومنذئذ ظهرت عدة محاولات لإدماج التطهير البيئي في القانون الدولي، كما حدث مع التطهير العرقي في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وكان التطهير البيئي متضمناً في المسودات المبكرة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي تم إقراره عام 1998. والمحكمة المستقلة الدائمة التي مقرها لاهاي أريد بها أن تُخضع للمساءلة الأشخاص الذين ارتكبوا تطهيراً عرقياً وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. لكن التطهير البيئي أُسقط عام 1996 كفئة من الجرائم بعد أن جادلت أميركا وبريطانيا وهولندا أنه لم يتم تعريفه بدقة.
ما التعريف الجديد المقترح؟ اجتمع طائفة من المحامين الدوليين تحت رعاية مؤسسة «أوقفوا التطهير البيئي» التي مقرها هولندا، واقترح هؤلاء الخبراء في يونيو تعريف التطهير البيئي بأنه «أعمال غير قانونية أو مستهترة تُرتكب، مع العلم بأن هناك احتمالاً كبيراً لوقوع ضرر شديد، إما واسع الانتشار أو طويل الأمد على البيئة نتيجة هذه الأعمال». والفكرة هي إضافة التطهير البيئي للجرائم التي تدعي المحكمة الجنائية الدولية سلطانها القضائي عليها.
ما الحاجة إلى تعريف جديد؟ ذكر محامون يعملون على المقترح أن التطهير البيئي لا يتطلب برهاناً على الضرر للإنسان، كما هو حال الجرائم ضد الإنسانية. ففي يناير الماضي، طلب زعماء السكان الأصليين في البرازيل من المحكمة الجنائية الدولية أن تحقق فيما إذا كانت سياسات الرئيس خايير بولسونارو تجاه غابات الأمازون وجماعات السكان الأصليين التقليدية تمثل جرائم ضد الإنسانية. ولم يتخذ قرار في الأمر. والتعريف الجديد سيخضع للمساءلة أيضاً أعمال الإهمال مثل التقاعس عن منع تزايد انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وذكر المؤيدون للمقترح أيضاً أن وضع التطهير البيئي على قدم المساواة مع جرائم الحرب والتطهير العرقي يمنحه قوة، وأن التهديد والخزي المرتبطينْ بالاعتقال والمحاكمة إلى جانب طغاة العالم في لاهاي سيكون من عوامل الردع.
هل هناك ما يشبه هذا حالياً؟ الدمار البيئي الكبير محظور جزئياً بموجب اتفاق للأمم المتحدة تم تبنيه عام 1978، لكنه لا ينطبق إلا على وقت الحرب. وبعض الدول المفردة لديها قوانين تتعلق بالتطهير البيئي. وأصبحت المحاكم القومية ساحة مهمة حقق فيها المدافعون عن البيئة نجاحات متزايدة في مساءلة الحكومات والدول عن التلوث وتغير المناخ. وفي قرار قضائي مهم صدر في مايو الماضي، أمرت محكمة هولندية شركة «رويال داتش شل» بأن تبذل المزيد لتقليص الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري قائلة في نص القرار إن «الشركات تتحمل مسؤولية احترام حقوق الإنسان».
من يؤيد جعل التطهير البيئي جريمة؟ في عام 2019، حث البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، «الجمعية الدولية لقانون العقوبات» بأن تدرج «التطهير البيئي» باعتباره «جريمة من الفئة الخامسة ضد السلام». وتبرعت الناشطة البيئية الشابة الشهيرة جريتا تونبيرج بـ 100 ألف يورو (119 آلاف دولار) لصالح مؤسسة «أوقفوا التطهير البيئي». وفي عام 2019 أيضاً، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حرائق الغابات في البرازيل بأنها تطهير بيئي ووعد «بخوض هذه المعركة لصالح فرنسا». وأيضاً، عبرت وزيرة الخارجية البلجيكية، صوفي ويلميز، عن تأييدها إلى جانب سياسيين من فانواتو والمالديف وهي دول معرضة للتضرر من ارتفاع مستوى سطح البحر.
ماذا يقول المنتقدون؟ يقولون إن المحكمة الجنائية الدولية مؤسسة تشوبها مثالب، وإن قانوناً خاصاً بالتطهير البيئي قد يقيد التنمية الاقتصادية. فالمحكمة تضم 123 عضواً، لكن من بين الدول غير المشاركة فيها ثلاث من أكبر اقتصاديات العالم الخمس وهي أميركا والصين والهند، هذا بالإضافة إلى روسيا وإسرائيل وقطر والعراق وليبيا وغيرها. وعدم عضوية الدولة لا يعني عدم خضوعها لإجراءات المحكمة، لكن يمكن التحقيق معها بناء على توجيه من مجلس الأمن الدولي. والبعض يصف المحكمة بأنها بطيئة وضعيفة الإدارة وغير فعالة في الملاحقة القضائية. ووجود المحكمة لم يردع الأعمال الوحشية التي وقعت في مناطق مثل ميانمار وسريلانكا. وتقر جوجو ميهتا، رئيس مؤسسة «أوقفوا التطهير البيئي» بأن المحكمة الجنائية الدولية تكتنفها مشكلات كثيرة، لكنها «الآلية العالمية الوحيدة التي تدخل مباشرة إلى أنظمة العدل الجنائية لكل دولها الأعضاء». أما فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية، فيجادل البعض أن الأرض من الموارد ويرون أن التطهير البيئي يسرف في تحيز القانون نحو حماية الطبيعة. وصرح رئيس جماعة «ميديف»، الفرنسية لأصحاب الأعمال، للمشرعين أن أعضاء الجماعة يخشون أن يلحق بهم الخزي إذا جعل الناس مصطلح التطهير البيئي مقابلاً لمصطلح «الاقتصاد يقتل».
ما الخطوات التالية؟ يتعين على دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية التقدم رسمياً بمقترح تعديل لنظام روما الأساسي لجعل التطهير البيئي جريمة تخضع للسلطان القضائي للمحكمة. ويُنظر إلى فانواتو والمالديف كمرشحين للقيام بهذا الدور. وبعد ما قد يمتد لسنوات من المداولة والنقاش، لن يتم إقرار التعديل إلا بأغلبية ثلثي الدول الأعضاء في المحكمة. وحتى إذا حدث هذا، فمن المؤكد أن تنشب معارك تتعلق بتبني الدول، دولة بعد أخرى، لقانون التطهير البيئي وتنفيذ أي قرارات للمحكمة.
راين هسكيث
كاتب متخصص في قضايا البيئة
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»