«انكسر القفل الصعب، أصبح الفرد أقوى من المؤسسة، أصبح لمن يجلس في بيته أمام أي جهاز إلكتروني سلطة لا يستطيع أي كان تجريده منها، لا نظام ولا مؤسسة ولا جهاز مخابرات»، كتب ذلك في صفحته في فيسبوك الأديب والروائي الفلسطيني أنور حامد، حيث ذكر أن «الفيسبوك الذي يعطِّل الحسابات بشكل انتقائي، اعتذر لكنه لم يتوقف وأدى ذلك إلى خفض تقييمه بشكل دراماتيكي».
والدراما الكبري الجارية أكبر من «فيسبوك»، ويلعب فيها الدور الأهم الشباب العرب الذين يتحايلون علي التواصل الاجتماعي، ويُغيِّرون كتابة الأحرف العربية بطريقة معينة تحول دون منع المواقع المتضامنة مع فلسطين. ذكر ذلك تقرير مسهب أعدته الكاتبة الصحفية ليلي مشكور، ونشرته وكالة الأنباء The National ذكرت فيه كيف أطلق خمسة شباب عرب أذكياء موقعاً على الإنترنت سمَّوه «تجاوز»، يؤتمتُ هذه العملية عن طريق تلغيز النص العربي لإرباك الخوارزميات الخاصة بفيسبوك. و«يجعل ذلك النص قابلاً للقراءة من قبل البشر، لكن في الوقت نفسه تصعب قراءته خوارزمياً أو ترجمته».
وذكر التقرير أن مستخدمي التواصل الاجتماعي حول فلسطين يقاتلون ضد موجة قيود مفروضة في الأونلاين عن طريق ليّ عنق اللغة لتجاوز خوارزميات الرقابة، وتجعل النص قابلاً للقراءة من قبل البشر، لكن عسير فهمه علي خوارزميات الرقابة. وذكرت وفاء هيكل الخبيرة بالتواصل الاجتماعي أن «العربية لغة مناسبة جداً للاستخدام كلغة سرية، فهي توفر طرقاً عدة للتحكم باللغة لتضليل الخوارزميات. وذلك بالاستغناء عن النقاط، أو التلاعب بمواقعها، أو مزج العربية بالانجليزية».
وسر غلبة «تِك توك» التي يشارك فيها المليارات أنها قصيرة جداً، وغنائية، وتبدع تمثيليات لَمّاحة طروبة يولع بها المراهقون وصغار السن.. إنها وسيلة اتصالهم الاجتماعي، التي لا مثيل لها في الجاذبية، وقد دعا رئيس فيسبوك زوكربرغ موظفيه لمضاهاتها، لكنهم فشلوا. و«تِك توك» الذي يعني وقع الأقدام، هو سلاح العرب الغنائي.. نعرف ذلك عندما نكتب كلمة عرب في موقع «تِك توك»، وهات يا طرب! فتيات شقراوات يرتدين غطاء الرأس العربي، ويصدحن بأغنية «أنا دمي فلسطيني». وتفوقُ الفلسطينيون في «تِك توك» خلال الحرب في قطاع غزة دفع الإسرائيليين إلى معركة أكثر زخماً، واتجاه جديد من خلال شبكة الإنترنت التي تتعرض فيها إسرائيل لهجوم من نوع آخر، حيث يزيد نشر الفيديوهات المتبادلة الاحتكاكَ بين الجانبين، ونتيجةً لذلك يتعرض الإسرائيليون لكثير من المحتوى الفلسطيني، حيث تشمل الفيديوهات الفلسطينية توثيق الاحتجاجات في المدن المختلطة داخل إسرائيل وحرب غزة.
وقال «غاي حازاك»، مدير قسم التواصل الاجتماعي الإسرائيلي، إن منصة «تِك توك» تحولت من ساحة لرقص الصبيان إلى منصة يفضلها النشطاء والحركات الاجتماعية، واستغلها الفلسطينيون لتعميم أحداث الحرم القدسي، والمعارك في غزة. وذكرت «كارين ناهون»، من المركز متعدد المجالات، أن «تِك توك» يعتمد بشكل أقل على قائمة الأصدقاء، وأكثر على المحتوى المفضل، وتتعرف خوارزمياته بسهولة نسبياً على المحتوى الجديد، وعلى اتجاهات الهاشتاغ، حيث تسمح بوصول المنشورات والأصوات إلى محتوى ثقيل مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والوصول إلى جماهير جديدة ومتعددة».
وتشجع خوارزمية «تِك توك» المشاركة خارج منصتها، مما يعزز نشر المعلومات. ومن وجهة نظر إسرائيلية فقد «استطاع الفلسطينيون، منذ حوالي عام تقريباً، إنشاء العديد من المجتمعات حول محتواهم تعد بالملايين، كما أن الرسوم التي انتشرت بسرعة كبيرة في الحرب الأخيرة، ربطت الرواية الفلسطينية بالحرب من أجل المسجد الأقصى والقدس». ويَخضع استخدامُ الفلسطينيين «تِك توك» لتغييرات لتكييف المحتوى مع الاتجاهات الحالية، وعلى سبيل المثال فقد طرأ تحول من التركيز على التوترات في حي الشيخ جراح إلى مشهد التفجيرات في غزة، إلى النشاط على شبكات التواصل.. و«تمكن الفلسطينيون من تأسيس وعي عام بحضور شخصيات عالمية، مثل غريتا تونبرغ، ونعومي كلاين، وبيلا حديد، وروجر ووترز.. الذين تحدثوا على وسائل التواصل الاجتماعي ضد الرواية الإسرائيلية».
*مستشار في العلوم والتكنولوجيا