نشرت وسائل الإعلام في الأيام القليلة الماضية أخباراً عن عدة إنجازات تقنية وعلمية في الصين، فقد هبطت مركبة صينية فضائية بنجاح على سطح المريخ، باستخدام كبسولة واقية ومظلة هبوط ومنصة صاروخية لمساعدة الروبوت على الهبوط. وبدأ هذا المسبار الصيني بالتقاط صور دقيقة لسطح المريخ وفضائه، وقد أثنت وكالة ناسا ووكالة الفضاء الروسية على ذلك الإنجاز التقني المتقدم. وقد غُلفت المركبة الفضائية بغطاء هوائي (كبسولة) في المرحلة الأولى من الهبوط والتي استغرقت تسع دقائق. ثم أُبطئت عملية هبوط الكبسولة إلى السطح بدفعها عكس هواء كوكب المريخ. وتم التحكم بالحرارة الناتجة عن طريق درع مواجه للأمام. وفي وقت حُدد مسبقاً، فُتحت مظلة الهبوط لتقليل السرعة أكثر. ثم انفصل الروبوت «زورونغ» محولاً على منصة تعمل بالطاقة الصاروخية للمناورات نقلته بأمان إلى كوكب المريخ.
وفي مجال بناء السفن البحرية أدخلت الصين مؤخراً ثلاث سفن حربية بمواصفات عالية تغيِّر موازين القوى البحرية، وهي هاينان (طراد صواريخ موجهة وزنها 13 ألف طن)، وداليان السفينة الهجومية البرمائية من فئة يوشين التي تتيح منصاتها الهبوط للطائرات المروحية (وهي بمثابة حاملة طائرات صغيرة بمزايا أخرى إضافية، إذ تستوعب حوالي 30 طائرة مروحية من فئات النقل المتوسطة والثقيلة والهجومية)، وغواصة الصواريخ الباليستية تشانغ تشنغ من فئة جين، إحدى أكبر وأهم أنواع السفن الحربية.
وأطلقت الصين خطاً لتجميع الأقمار الصناعية صغيرة الحجم، باستخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي. وفي مقدور هذا المصنع الذكي أن ينتج سنوياً 240 قمراً صناعياً بوزن يقل عن طن واحد، ويتوقع أن يبدأ في الصين عمل الأقمار الصناعية للقطاع الخاص.
وفي مجال الحاسوب أنتجت الصين منذ عام 2017 حواسيب فائقة السرعة والقدرات، تستطيع أن تنجز في ثانية واحدة ما تحتاج الكمبيوترات التقليدية لإنجازه إلى عشرة آلاف سنة، ونجحت الصين في استخراج الجليد البحري القابل للاحتراق، وهي أول دولة تحقق مثل هذا الإنجاز، وهو طاقة خضراء ذات قيمة حرارية عالية.
كما أنتجت الصين حاملة طائرات صينية الصنع، وبنت أطول جسر ربط بحري في العالم بين هونغ كونغ وتشوهاي وماكاو، وأطلقت طائرة الركاب C919 وقطار فوشينغ بسرعة 400 كيلومتر في الساعة.
وبلغ حجم الاستثمار الصيني في مجال البحث والتطوير العلمي، في عام 2016، حوالي 250 مليار دولار أميركي، أي ما يعادل 2.11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
لكن الصين لا تملك التأثير السياسي والثقافي المكافئ لتقدمها العلمي والاقتصادي، وقد يبدو ذلك نقطة ضعف، وإن كانت الصين تفضل حتى الآن أن تنأى بنفسها عن التأثير العالمي أو منافسة الولايات المتحدة وأوروبا في قيادة العالم. لكن ما من تقدم علمي واقتصادي إلا ويتبعه تقدم سياسي وثقافي، وإذا لم يحدث ذلك، فسوف يتراجع الإنجاز الاقتصادي، لأن الأداء السياسي والثقافي يعزز ويعظِّم الموارد والتجارة ويحميها أيضاً. وقد بدأت الصين تشكل التحدي رقم 1 للولايات المتحدة والغرب، كما أنها أيضاً (ويا للمفارقة) مرشحة لتكون أهم صديق وشريك للغرب. وفي هذه التسوية بين أطراف لا تستغني عن بعضها البعض، فإن الصين مقدِمة على مشاركة سياسية وثقافية في قيادة العالم، وإن تقْدم على تنازلات وخطوات اقتصادية وتجارية تبدو في المدى القصير خسارةً لها، فإنها على المدى المتوسط والبعيد تعزز وتطور مكاسبها وإنجازاتها العلمية والاقتصادية، ذلك أن التقدم الاقتصادي والعلمي ينشئ التزامات جديدة لا يمكن التخلي عنها إلا بالتخلي عن الإنجازات نفسها.
*كاتب أردني