تسبب وباء كورونا الحالي في آثار سلبية عدة على المجتمعات البشرية الحديثة، بعضها اختص بالجوانب الاقتصادية وفرص العمل وكسب العيش، والبعض الآخر أثر على الحالة الصحية لمئات الملايين من البشر. بالإضافة إلى التبعات الاجتماعية السلبية، وما تبعها من مشاكل نفسية واجتماعية للكثيرين، وتراجع الأداء الدراسي والأكاديمي لملايين الطلاب في زمن التعليم عن بعد.
وعلى ما يبدو أن تأثيرات هذا الوباء، ستمتد لتشمل أيضاً النمو السكاني في العديد من دول ومناطق العالم. هذا النمو السكاني هو في غالبه مجمل الوفيات والولادات جديدة. وليس بالخفي على أحد أن كورونا تسبب حتى الآن في وفاة أكثر من 3 ملايين شخص، وفي بعض الدول تخطت الوفيات مئات الآلاف، مثل الولايات المتحدة، والتي قاربت الوفيات فيها على 600 ألف وفاة.
ولم يسلم الجانب الآخر من النمو السكاني، أي جانب المواليد الجدد، من تبعات الوباء. فعكس ما كان يعتقد في البدايات، أن الوباء سينتج عنه زيادة في أعداد المواليد، بسبب الإغلاق والحجر الصحي ومنع التجول في بعض الدول، وما سينتج عن ذلك من قضاء الأزواج وقتاً أطول معاً، أظهرت أحدث البيانات انخفاضاً ملحوظاً في أعداد المواليد الجدد خلال العام الماضي في العديد من دول ومناطق العالم.
آخر تلك البيانات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاءات الصحية في الولايات المتحدة، أظهرت انخفاضاً في أعداد المواليد في الربع الأخير من عام 2020 بنسبة 6% عن مثيلتها في العام الذي سبقه. ويعزو البعض هذا الانخفاض، وما ترافق معه من ارتفاع في أعداد الوفيات، وتراجع النمو السكاني بوجه عام، إلى عدة أسباب منها: تدهور الحالة النفسية للكثيرين بسبب إجراءات العزل الصحي والتباعد الاجتماعي، وخسارة الملايين لوظائفهم ومصدر رزقهم، وما تبع ذلك من ضائقة اقتصادية، دفعت بالكثيرين منهم إلى حافة الفقر. والمعروف أن الأزواج يميلون لتأجيل الإنجاب، عندما يكون المستقبل غير واضح، وأن تكون سبل العيش والتكسب غير مؤكدة، وأيضاً في حالات عدم اليقين الصحية كتلك التي فرضها الوباء.
وما يخشاه الباحثون في علم السكان، أن يستمر هذا الاتجاه لسنوات عدة قادمة، حتى بعد انقشاع الغمة والتمكن من السيطرة على الوباء، ليترك الفيروس بذلك بصمة دائمة على النمو السكاني لأجيال قادمة، وخصوصاً في الدول التي تعاني أصلاً من معدلات خصوبة منخفضة، أقل من معدل الإحلال، مما قد يهدد شعوبها بالانقراض.