التطور الاقتصادي الذي شهدته الإمارات ابتداء من الزراعة في الواحات، والصيد، وتجارة التمور، واللؤلؤ إلى مرحلة استكشاف النفط منذ خمسينيات القرن الماضي ووصولاً إلى عصر اقتصاد المعرفة، يدل على المكانة الخاصة للاقتصاد في تطور الإمارات على صعيد التنمية الاجتماعية والسياسية. فإن فاعلية استراتيجيات التنويع الاقتصادي التي تتبناها الإمارات تدل على السياسة الاستباقية للقيادة الحكيمة لتلبية شروط العولمة والانطلاق إلى خطط تنموية جادة. ووفقاً لبيانات الهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء، فإن مساهمة قطاع النفط والغاز والتعدين والمحاجر في الناتج المحلي الإجمالي للإمارات تقلصت بشكل كبير، وبلغت قيمتها 387 مليار درهم تشكل نسبة 25% فقط من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي البالغ تريليوناً و546.6 مليار درهم بنهاية عام 2019 بالأسعار الجارية مقابل تعاظم مساهمة أدوار قطاعات غير نفطية مثل قطاع تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 12.5 % والصناعة التحويلية 8.7 % والتشييد 8.4 % والأنشطة المالية والتأمين 8.6 %، وقطاعات أخرى غير نفطية بحصة 36.7 %.
ويمكن تفسير التنويع الافتصادي في الإمارات هو توسيع نطاق الأنشطة الاقتصادية إلى قطاعات اقتصادية غير نفطية تعزز الاستدامة والمرونة الاقتصادية في عالم سريع التغير.
وعلى الرغم من مخاطر التقلبات المستمرة في أسعار النفط أو إغلاق مضيق هرمز نتيجة زيادة التوتر في منطقة الخليج العربي أو اهتمام العالم بتطوير التكنولوجيا في الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة واستكشافات النفط الصخري، إلا أن دوافع الإمارات في إسعاد شعبها وتقديم رسائل إيجابية إلى العالم، مكنتها من البدء مبكراً في تخطيط مستقبل اقتصادها عبر التركيز على نشاطات اقتصادية متنوعة ذات قيمة مضافةـ وأكثر اندماجاً في الاقتصاد العالمي باستخدام القيم الإماراتية المتجذرة في التسامح والتعايش بما يؤول إلى فرص أفضل للجميع.
كما شهد المجتمع الإماراتي تطوراً ملحوظاً في استثمار رأس المال البشري، وإصدار التشريعات اللازمة لتنظيم سوق العمل، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني من حيث تنويع القاعدة الاقتصادية والشراكة مع القطاع الخاص، وعلى سبيل المثال إطلاق الإمارات مؤخراً (مشروع 300 مليار)، وهي استراتيجية حكومية ستعمل على توسيع حجم ونطاق القطاع الصناعي في الدولة، وأيضاً تحول تداعيات آثار جائحة كورونا إلى فرصة إيجابية من خلال البدء في إنتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا داخل الإمارات بالشراكة مع الصين ليكون الأول من نوعه على مستوى العالم العربي، بالإضافة إلى توجيه استثماراتها الخارجية إلى نحو 220 دولة في قارات العالم الست، وتأسيس صناديق استثمارية مؤخراً في إندونيسيا وإسرائيل.
ووفقاً لإحصاءات التجارة الدولية 2019 الصادرة عن منظمة التجارة العالمية، تبوأت صادرات الدولة من الخدمات المرتبة 22 عالمياً. ولابد من الإشارة إلى دور شركات الطيران الإماراتية والتي تحلق عالياً لتنافس كبرى الشركات، حيث حلت «طيران الإمارات» في الترتيب الرابع على قائمة كبرى الشركات العالمية وفقاً لبيانات الاتحاد الدولي للنقل الجوي 2017 «آياتا». وكم من دولة لديها موارد طبيعية إلا أن ذلك لم يمنحها متانة واستدامة في استقرارها الاقتصادي. وعلى الرغم من المساحة الجغرافية للإمارات، التي تعد صغيرة نسبياً وعدد السكانها البالغ 9 ملايين نسمة، تحوّلت الإمارات إلى مركز ثقل اقتصادي عالمي في عيدها الخمسين وثاني أكبر اقتصاد عربي بفضل طموح وسعي قيادتها الحكيمة وشعبها الوفي.