تواجه حكومتنا الاتحادية في هذه المرحلة من مسار الدولة الاتحادية وهي تخطو نحو استكمال خمسين عاماً بالتمام والكمال من عمرها المديد مهمة خطيرة، وهي مهمة الاستعداد والاستجابة لتهديدات الإرهاب العالمي العابر للأوطان والمخترق لصفوف الشعوب.
وربما يشير البعض بأن هذه المهمة عالمية الطابع، ودولة الإمارات ليست مسؤولة عنها منفردة، ومسؤوليتها تأتي ضمن عضويتها في المجتمع الدولي.
هذا الطرح صحيح، لكن لا بد أن نعلم أيضاًَ بأن كل دولة على حدة تقع عليها مسؤولياتها المنفصلة التي تتعلق بأوضاعها وشؤونها الداخلية وتهيئة مجتمعها لتحمل المسؤولية معها.
وعليه، فإن التحدي الحقيقي يتطلب منا أن نهتم بأولويات مؤسساتنا الاتحادية الواسعة لإعادة تعريف وتركيز حكومتنا على المسؤوليات التي هي حكومية حقيقة وذات طابع وطني حقيقة.
وربما أنه يمكن للمرء أن يقدم الكثير من الأفكار حول كيفية مواجهة خطر الإرهاب، ويمكنه أيضاً تقديم أفكار حول الأطر الدستورية والقانونية التي يمكنها التحرك ضمنها وعلى أساس منها، وحول السياسات التي يمكن أن تتبع وتعكس تلك الأطر، وتقوي حريات ورفاهية المواطن الإماراتي.
وبشكل خاص تأتي أهمية التحرك بثبات باتجاه خلق «المجتمع المشارك والكاره للإرهاب» ولمن يمارسه أو يدعمه. المجتمع المشارك والكاره للإرهاب يقوي الأفراد عن طريق إعطائهم دوراً شريكاً في حماية أنفسهم وأبنائهم للقضاء على جوانب مهمة من مقومات الإرهاب وبواعثه ومنابعه ومصادر دعمه البشرية والمالية والمادية الأخرى.
ولأننا نستخدم العبارة المختزلة «الحرب على الإرهاب» لكي نصف بها إمكانية رد دولة الإمارات على أية محاولة إرهابية للاعتداء عليها، فمن السهل علينا الاعتقاد بأن هذه الحرب يمكن الانتصار فيها ببساطة عن طريق القضاء على العدو أو إضعافه واستنزافه إلى أن ينكسر وينهار.
لكن أخذاً في الاعتبار أن الإرهاب اليوم يقوم به انتحاريون، فإنه بالتعريف لا يمكن ردعه، ويبدو بأنه يتوجب القضاء عليهم قبل أن يقوموا بالتنفيذ وقبل أن يتمكنوا من قتل الأبرياء، فلا يوجد أمام البشر والدول خيار غير ذلك، وعليه فإن المجتمع يجب أن يكون مستعداً لذلك، ولجميع ما قد يترتب عليه من احتمالات وتداعيات.
لذلك فإن الأجهزة المختصة بمكافحة الإرهاب تستطيع أن تستخدم جميع القوى الضرورية والمناسبة ضد كل من يحاول أن يستخدم الإرهاب ضد الدولة والمجتمع، سواء كانت دولاً أو تنظيمات أو أشخاصاً تصل إليها معلومات بأنهم يخططون، أو يجيزون أو يلتزمون، أو يدعمون أي هجوم إرهابي على البلاد.
ويرتبط بذلك أن التركيز يجب أن يكون كبيراً على جمع المعلومات الدقيقة حول الدول الداعمة للإرهاب والتنظيمات التي تنتهجه وتمارسه ومصادر دعمها وتمويلها والأشخاص الذين يتم الشك في أمرهم بأنهم ذئاب منفردة، ويشكلون خطراً عبر قيامهم بعمليات إرهابية مدمرة.
وفي هذا السياق لا بد من تنفيذ الأعمال الدقيقة في ملاحقة واقتناص كل من يشك في أنه ينتمي إلى التنظيمات الخطيرة في المنطقة والتي أصبحت لها فلول شاردة تبحث لنفسها عن ملاجئ آمنة وهي متخفية، خاصة تنظيمات كـ «القاعدة» و«داعش» و«جماعة الإخوان» التي تم القضاء على بعضها، وجار التعامل مع ما تبقى منها.
إن أهمية خلق المجتمع المشارك الكاره للإرهاب تنبثق من الاعتراف بأن الجزء الأكبر من الحرب على الإرهاب لن يدخل فيه عمليات عسكرية واسعة النطاق، لكنها ستتضمن جهوداً دبلوماسية وجمع معلومات استخباراتية دقيقة، وتبادل للمعلومات مع العديد من أطراف المجتمع الدولي، بالإضافة إلى أجهزة فرض وتطبيق القانون لدى أمم العالم المختلفة.
وهذا بدوره يتطلب العمل مع الحكومات الأخرى لكي تفهم طبيعة النشطاء الإرهابيون في التنظيمات الخطيرة كـ«القاعدة» و«داعش» و«جماعة الإخوان» الذين يتمكن الكثير منهم في الوصول إلى دول الغرب، خاصة أوروبا، تحت مسميات وأصناف وأشكال يصعب على أجهزتها كشفها أو فهم طبيعتها المخادعة.
وما هو مفرح في الأمر أن دولة الإمارات أثبتت في السنوات الأخيرة قدرتها الفائقة على دعم جهود المجتمع الدولي في هذا المجال، ولديها أجهزتها الخاصة المتخصصة في العمليات المحددة الموجهة إلى مكافحة التنظيمات والأفراد الضالعين في الإرهاب، بالإضافة إلى قدراتها الداخلية المضادة للإرهاب بأشكاله وصوره كافة.
حفظ الله الإمارات من الإرهاب والإرهابيين.
* كاتب إماراتي