بعد حوالي شهرين من استلام جو بايدن الحكم في الولايات المتحدة، شهد العالم اختلافاً جذرياً في العلاقات مع واشنطن في ظل الإدارة الجديدة، مما يؤكد على عدم تكامل مواقف الحزب «الديمقراطي» مع الحزب «الجمهوري»، والذي انعكس على ثقة الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة، في مدى ثبات السياسة الأميركية. وبدا واضحاً تغير السياسات الأميركية عند وصول كل إدارة جديدة إلى البيت الأبيض، فكل حزب له قناعاته وأطره الفكرية وحساباته الانتخابية الخاصة به، سواء تجاه الخارج أو في الداخل الأميركي.
نشر بايدن تقرير استنتاجات لوكالة الاستخبارات الأميركية حول مقتل جمال خاشقجي، والذي حدث قبل عامين، وهو تقرير غير مدعم بالأدلة. كما أن إدارة بايدن لم تبق على جماعة «الحوثيين» في اليمن ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، على الرغم من استيلاء ميليشيا «الحوثيين» على السلطة الشرعية، والتسبب في حرب وتردي الأوضاع الإنسانية في اليمن، مما قد تدل تلك التناقضات في السياسات بين الحزبين، أنها تناقضات لتصفية حسابات سياسية بين تيارين سياسيين أميركيين، والنتيجة الكثير من الخصومة والصراعات جراء تداعيات ربح أيهما وخسارة الآخر، ما ينعكس سلباً على علاقات واشنطن بحلفائها.
ومن جهة أخرى، أعادت إدارة بايدن أميركا، مرة أخرى، إلى اتفاقية باريس للمناخ، واستأنفت دورها في منظمة الصحة العالمية، وأعادت الانضمام إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وأنهت الحظر المفروض على السفر بالنسبة لبعض الدول ذات الأغلبية المسلمة. وستكون الأعوام الأربعة المقبلة تجربة ما إذا كانت أميركا ستنجح في التعاون مع الصين بشأن المناخ، وهل تتعاون مع روسيا بشأن الحد من التسلح؟ وهل تتوصل مع إيران لتسوية بشأن الاتفاق النووي؟
مبعث القلق أن الحزب «الديمقراطي» لن ينجح في تبديد مخاوف الدول من عدم استمرار سياسته، خاصة في حال فوز الحزب «الجمهوري» بالرئاسة الأميركية المقبلة. ولن تقبل الدول أن تصبح علاقاتها مع الولايات المتحدة تترنح ما بين الانحدار والصعود حسب الحزب الحاكم. ويبدو أن هذا التذبذب جعل بعض دول أوروبا، تتكيف مع عالم من دون قيادة الولايات المتحدة.
وفي الشرق الأوسط لم تستوعب الولايات المتحدة أن دول الخليج العربي أقوى مما كانت عليه قبل 20 عاماً، وأن دور الشقيقة السعودية في قيادة العالم العربي يتزايد بدعم الإمارات.
أميركا اليوم تقوم بإعادة تقييم لوضعها في الشرق الأوسط أثناء تقليص إدارة بايدن لفريق عمل الشرق الأوسط في ظل رغبة الصين وروسيا في توسيع رقعة نفوذهما ودعم الحلفاء. كما اعتقد أن الدور الأميركي في منطقة الشرق الأوسط سيبقى، إلا أنه لن يكون بحجم ومستوى تأثيره أثناء حكم إدارة ترامب. وأخيراً، بداً واضحاً أن واشنطن تبحث الوسائل الدبلوماسية لإيجاد حل لأزمة الاتفاق النووي مع إيران، في ظل إدراك أن الاتفاق النووي السابق لم يكن مثالياً، نطراً لعدم تناوله تدخلات طهران في المنطقة، أو تطوير البرنامج الصاروخي الإيراني.