دخل الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب التاريخ من أبواب عدة، أحدها الأرقام القياسية التي صارت مرتبطة به. آخر هذه الأرقام أنه الرئيس الوحيد حتى الآن الذي أصدر مجلس النواب قراري اتهام اثنين ضده. وهو القرار الذي بدأت على أساسه محاكمة الرئيس السابق في مجلس الشيوخ في 8 فبراير الجاري.
وكثيرة هي الأرقام القياسية في سنوات ترامب الأربع في البيت الأبيض، سواء التي لا مثيل لها من قبل، أو غير المسبوقة منذ عقود. وبغض النظر عن أي رأي في أداء ترامب، نجد أن أهم أرقامه القياسية ارتبطت بإنجازات اقتصادية كبيرة في السنوات الثلاث الأولى، قبل تفشي فيروس كورونا في صورة جائحة أثَّرت سلبياً على الاقتصاد في العالم كله، وليس في الولايات المتحدة فقط.
تشمل هذه الأرقام، على سبيل المثال، الوظائف الجديدة التي كانت عام 2019 هي الأعلى منذ أن بدأت وزارة العمل في قياسها عام 2000، إذ بلغ عددها نحو سبعة ملايين وظيفة. ومن الطبيعي أن يعني هذا رقماً قياسياً كذلك في انخفاض معدلات البطالة في العام نفسه إلى نحو 3.5 في المائة، وهي الأدنى منذ نصف قرن (عام 1970)، حسب البيانات الصادرة عن وزارة العمل أيضاً في ديسمبر 2019.
وفي السياسة، كما في الاقتصاد، حقق ترامب رقماً قياسياً برغم خسارته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إذ حصل على أكثر من 74 مليون صوت، وهذا رقم لم يسبقه إليه أي مرشح خاسر في تاريخ الانتخابات الأميركية. لكن ما يُرجح أن يبقى رقماً قياسياً يصعب تكراره هو عدد الكتب التي أُصدرت عن ترامب خلال فترة رئاسة واحدة، وهو أكثر من ألف كتاب، وفق إحصاءات مجموعة يوميات المشتريات الوطنية National Purchase Diary Panel، أي أكثر من ضعف ما صدر عن سلفه باراك أوباما خلال ثماني سنوات. ولا يقل أهمية أن أكثر الكتب التي أُصدرت عن ترامب، كان لشن هجوم عليه. ولهذا، بلغ بعضها أعلى مستوى من الفجاجة، وحفل كثير منها باتهامات قاسية دون أدلة، مثل الكتاب الذي أُصدر في آخر يناير الماضي، أي بُعيد مغادرته البيت الأبيض تحت عنوان «المساومة الأميركية». فقد اتهمه المؤلف كريج يونجر بأنه عمل لمصلحة الاستخبارات السوفييتية، التي زعم أنها جندته في الثمانينيات، وأنه امتنع لهذا السبب عن مهاجمة روسيا وركز على الصين خلال فترة رئاسته.
كما أن بعض الكتب التي نُشرت عن ترامب تصدّرت المبيعات على مدى عام أو يزيد. وعلى سبيل المثال، بقي كتاب مايكل دولف ذو العنوان المثير «نار وغضب.. داخل بيت ترامب الأبيض»، الصادر عام 2018، ضمن الكتب الأكثر مبيعاً حتى عام 2020. وحقق هذا الكتاب مبيعات أكبر من كتاب ثان أصدره المؤلف نفسه في العام التالي (2019) بعنوان «الحصار.. ترامب تحت القصف»، وجنى المؤلف ثروة كبيرة من الكتابين. لقد صار تأليف كتب ضد ترامب سبيلاً سهلاً للتربّح والثراء، منذ أن ظهر تفوقه في السباق التمهيدي داخل الحزب الجمهوري لاختيار مرشح لانتخابات 2016 الرئاسية. فقد صدر أول كتاب من هذا النوع في منتصف ذلك العام تحت عنوان «ترامب بلا قناع.. رحلة الطموح والغرور والمال والنفوذ». لمؤلفيه الصحفيين مارك فيشر ومايكل كرافشي.
واستمر إصدار هذا النوع من الكتب خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث صدر ثلاثة من أكثرها إثارةً عام 2020، وحقق أحدها، وهو كتاب بوب وودورد «غضب» الصادر في سبتمبر الماضي، انتشاراً واسعاً. وهذا هو كتاب وودورد الثاني عن ترامب، إذ سبقه عام 2018 كتاب «خوف.. ترامب في البيت الأبيض».
كما واصل في 2020 مسؤولون سابقون في إدارة ترامب كانوا قريبين منه إصدار كتب عنه. فقد نُشر في يونيو كتاب «الغرفة التي حدث فيها هذا» لجون بولتون الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي بين أبريل 2018 وسبتمبر 2019.
غير أن هذه الكتب لم تُحدِث أي أثر لدى أنصار ترامب الذين ازداد عددهم في انتخابات 2020 عما كان عليه في انتخابات 2016 وفق نتيجة كل منهما. ويوجد تفسيران لعدم مبالاتهم بهذه الكتب. التفسير الأول أنهم متعصبون إلى حد أنهم لا يقرؤون أو يسمعون ما لا يروق لهم. أما الثاني فهو أن كثرة الكتب التي أُصدرت لمهاجمة ترامب استفزتهم، وعززت اعتقادهم في وجود مؤامرة ضده.
*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية