إذا كان «الأمل حلم يمشي»، كما قال أحد أقدم وأشهر الفلاسفة في التاريخ، وهو أرسطو، فـ«مسبار الأمل» يحلق في الفضاء بين الكواكب منذ أطلقته دولة الإمارات العربية المتحدة في يوليو الماضي حتى بلغ المريخ أول أمس. والأمل يكون دائماً أكبر حجماً من اليأس الذي يجابهه، وأي يأس أكبر من جائحة كورونا التي تطبق على العالم بأسره، ورغم ذلك تابع علماء الفضاء الإماراتيون المسبارَ حتى بلغ مداره حول المريخ. والآن يبدأ الجزء المهم من برنامج «مسبار الأمل» الفضائي، وهو الجزء الأهم بالنسبة لكوكبنا الأرضي، حيث تعتقد نظريات تغير المناخ العالمي أن الأرض ينتظرها مصير مماثل لمصير المريخ، الذي حرَمته ظروف غير معروفة من عناصر أساسية في غلافه الجوي، أحرقتها الأشعة الكونية.
واقتضت رحلة «مسبار الأمل» مهارةً تقنيةً في حجم الأمل تؤمِّن له الانفكاك في الوقت المناسب من المركبة الفضائية التي حملته إلى مدار حول المريخ، والمناورة الدقيقة في إطلاق صواريخ تضعه في مداره تماماً. آنذاك تبدو صورة المسبار ساحرة الجمال، وهو يرفرف بجناحين يحملان الألواح الشمسية التي تؤمّن له الطاقة اللازمة للعمل سنتين قادمتين، يدرس خلالهما جو المريخ. وتلتقط كاميرا بالغة الدقة يحملها المسبار صوراً لجو الكوكب، حيث يدرس مطياف الأشعة ما فوق الحمراء، الذي يحمله المسبار، الغبارَ والغيومَ الجليدية في جو الكوكب، ويبث المعلومات إلى علماء وكالة الفضاء الإماراتية.
وقد أثار الكوكب الأحمر اهتمام البشر منذ تطلعوا إلى الفضاء، وأدركوا أنه يحتوي على نوع من الحياة حتماً. وقد تجيب على هذا السؤال امرأة عربية، بعد رائدة الفضاء الروسية «فالنتينا تيريشكوفا» التي كانت أول امرأة تنطلق إلى الفضاء في 13 يونيو عام 1963. والرائدة العربية التي ستبلغ المريخ قد تكون من «وكالة الفضاء الإماراتية»، حيث ثلث العاملين نساء شابات، بينهن المهندسة سارة الأميري، وهي رئيسة «وكالة الفضاء الإماراتية»، ورئيسة «برنامج الأمل»، ووزيرة الدولة لشؤون التكنولوجيا المتقدمة، حيث يطور برنامج الرحلة إلى المريخ وبعض المشاريع الفضائية العملاقة الأخرى ستكتمل بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس دولة الإمارات. وعندما كانت ساره الأميري طفلة «كان يبهجني عدد النجوم، وكواكب المنظومة الشمسية، والأجرام السماوية هناك، والتي لا نستطيع تصور عددها». تَذكرُ ذلك في حديث مسهب نشرته وكالة الأنباء الفرنسية، أكدت فيه على «أهمية عمل العلماء في استكشاف الفضاء، سواء بالتلسكوبات أو المركبات الفضائية أو صور الراديو». ووصفت وكالة الأنباء سيرة سارة الأميري بأنها مثل «نيزك منطلق في الفضاء».
ورِفقة «مسبار الأمل» الفضائية الثلاثية الفريدة فرضتها فرصةُ اقتراب المريخ مسافة 55 مليون كيلومتر من الأرض، وهيأ هذه الفرصةَ ما يُسمى «نافذة الانطلاق» والتي لا تحدث إلا مرة كل 26 شهراً. وشاركت في رفقة الرحلة الفضائية مركبة «المثابرة» التي أطلقتها وكالة الفضاء الأميركية «ناسا»، والمركبة الصينية «تيانوين» (وتعني «رسائل سماوية»). و«مسبار الأمل» أول المركبات الفضائية الثلاث وأكثرها جرأة، حسب مجلة العلوم العالمية «نيتشر» (Nature) التي ذكرت أن الإمارات تطلق «مبعوثين (روبوتات) آملةً الشروع في فصول جديدة من الاستكشاف الفضائي هناك». وأشادت المجلة برباطة جأش العاملين في هذه المشاريع الفضائية التي لم توقفها جائحة كورونا.
وتساهم الإمارات في تجارب العيش في المريخ، تمهيداً لإرسال رواد إليه بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس الدولة. وذكرت «نيويورك تايمز» أن الإمارات أتقنت سبل التعاون الدولي في مشاريع الفضاء، حين أطلقت ثلاثة أقمار اصطناعية لرصد الكرة الأرضية، بالتعاون مع كوريا الجنوبية، أعقبها التعاون مع الولايات المتحدة في تصميم المسبار، ومع اليابان حيث انطلق من قاعدتها الفضائية صاروخ «متسيوبوتشي» حاملاً المسبار. كما أن لها تجربة فتية في الطيران الفضائي، وأول رائد فضائي إماراتي هزاع المنصوري حملته مركبة فضائية إلى «المحطة الفضائية الدولية» حيت مكث ثلاثة أيام.
*مستشار في العلوم والتكنولوجيا