اشتد الجدل في الآونة الأخيرة حول العلاقة بين الدين والتدين، وما إن كانا يصبان في إطار واحد أم أن لكل منهما إطاره الخاص الذي ينفرد به؟
هناك فريق يرى أن التدين هو ممارسة الدين كما ورد حرفياً في نصوصه المقدسة، دون كبير اعتبار أو اكتراث للعصر وحقائق واقعه المتغيرة ومستجداته المتلاحقة.. أي أن ممارسة الدين في نظرهم تعني الانكفاء على الذات والانعزال عن العالم والعيش في «جيتو» ثقافي وحضاري بمعزل عن حركة العالم وحياة العصر!
وهناك فريق آخر يرى أن الدين، وبالأخص الدين الإسلامي، ينبغي أن يعزز قوته الأخلاقية، وذلك من خلال ممارسات معتنقيه وعلاقاتهم بالآخر، أي من خلال شخصية المتدين نفسه، من أجل أن يَقوى الدين وينهض وتتغير صورته التي تعرضت لكثير من التغير والتشوه لأسباب تعود لسلوك بعض أبنائه.
وإلى جانب هذين الفريقين هناك فريق ثالث يقول بوجود صلة قوية بين الدين والعلم هي ما يجب أن يركز عليه المتدينون حتى لا يعزلوا أنفسهم عن العالم ويحوِّلوا دينهم إلى مادة متحفية جامدة لا تتغير ولا تتطور. ويستشهد هؤلاء برأي الباحث «شرونجر» وقوله إن «بصيرتنا الدينية لها القوة والمتانة والضمان لبصيرتنا العلمية»، وبقول «إينشتاين» إن «بصيرتنا الدينية هي المنبع والموجِّه لبصيرتنا العلمية».
وعلى العموم هناك رابط قوي بين الدين من جهة والأخلاق والعلم من جهة ثانية، وهو رابط يصنع جانباً مهماً من سمات العظمة في الدين، والتي يجب أن يتحلى بها المسلم، وكل ذلك يشتمل على قيم الصدق والأمانة والنزاهة والعدالة والكرم.
وينقسم الدين الإسلامي على الخصوص إلى قسمين:
1- كتاب مسطور: وهو للتعبد، أي أحكام الصلاة والصوم والزكاة والحج.. ومعظم المسلمين يجتهدون في أداء هذه العبادات، ويكونون داخل المساجد أشبه بالصحابة، لكنهم خارجها يتحولون إلى كائنات أخرى، وذلك لأنهم لم يأخذوا بجانب آخر في الدين لا يقل أهمية، ألا وهو ذلك المتعلق بمعاملة الآخرين «بالتي هي أحسن».
2- كتاب منظور: وهو مجموعة القيم والتوجيهات التي أرشدنا إليها الدين في التعامل مع الآخرين، والتي تتلخص كلها في حسن التعامل مع الآخرين. فالمحافظة على الصلاة ترشد إلى الصدق في الحديث، وتأدية زكاة الأموال تعمق شعور التعاطف مع الآخرين وتُكسِب عادة الكرم وتخلِّص من داء الأنانية والكِبر والغرور.. وقس على ذلك بقية العبادات الأخرى.
عندما أخذ المسلمون الأوائل بالكتاب المنظور، كانت لهم مكانتهم في العالم، وأصبحت اللغة العربية لغة العلم والأدب والحضارة في عصرها. أما اليوم فهناك مئات الملايين من المسلمين الذين يؤدون العبادات كطقوس، لكنهم يخرجون منها دون أثر يذكر للقيم المذكورة آنفاً، والسبب أنهم لا يعبؤون بالكتاب المنظور وقد اكتفوا بالكتاب المسطور، أي لم يتدبروا القرآن ولم يحاولوا فهم آياته مكتفين بحفظه فقط.