لا شك أن وباء كوفيد-19 الحالي أظهر بشكل جلي الأهمية الفائقة للاستثمار في نظم متكاملة للاستجابة لأوبئة الأمراض المعدية، وكشفها مبكراً، وتفعيل الإجراءات والتدابير الكفيلة للوقاية ضد وقوعها من الأساس.
وهو ما نتج عنه مطالبة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتخصيص يوم عالمي للاستعداد والتحضير أو الجاهزية لأوبئة الأمراض المعدية (International Day of Epidemic Preparedness)، والذي أحيي للمرة الأول في 27 ديسمبر الماضي. وتم خلاله التأكيد على أهمية العمل المشترك وعلى تضافر الجهود بين حكومات الدول في مختلف أصقاع الأرض، وبين المنظمات الدولية العاملة في مجال الصحة العالمية، لدعم الجهود الرامية لبناء نظم قوية للاستجابة للأوبئة المعدية، ضمن مقاربة متكاملة لتحقيق هدف توفير الرعاية الصحية للجميع، من خلال رعاية صحية أولية تتميز بالكفاءة والفعالية.
ومما لا شك فيه أيضاً، أن هذا الاتجاه الدولي المتنامي، كان نتاج تعمق الإدراك بسبب الوباء الحالي، بأن أوبئة الأمراض المعدية لا تعترف بالحدود السياسية، ولا حتى بالحدود الجغرافية. حيث أصبحت تترك خلفها آثاراً مدمرة على القاصي والداني، وتعيق جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل ترتد بها أحياناً إلى الوراء لتلغي حصيلة عقود كاملة من التنمية.
وبخلاف الضغوط الهائلة وغير المسبوقة التي تعرضت لها نظم الرعاية الصحية في جميع دول العالم دون استثناء، ودفعت بالكثير منها إلى شفا الانهيار، تسبب الوباء الحالي في اضطراب وتعطيل طرق التجارة وسلاسل الإمدادات، وفي خسارة مئات الملايين لوظائفهم ومصدر رزقهم الوحيد، وخصوصاً النساء والأطفال في دول ذات اقتصاد ضعيف أساساً.
وكما هو الحال مع الجنس البشري، الذي واجه العديد من الكوارث والأوبئة منذ وطأت قدمه هذا الكوكب، يمكن للمأساة الإنسانية الحالية أن تكون فرصة لبناء عالم أكثر عدلاً واستدامة، ومنصة لتوحيد الجهود الدولية في مواجهة أعداء البشر من الكائنات المجهرية، ولتقوية نقاط الضعف في استراتيجيات الرعاية الصحية المتبعة حالياً، وللمزيد من الاستثمار في الدراسات العلمية والأبحاث الطبية. وكما صرح السكرتير العام للأم المتحدة منتصف الصيف الماضي، ربما أصبحنا جميعاً في حاجة لعقد اجتماعي جديد، ولاتفاق عالمي جديد أيضاً.