يقول الدكتور طه حسين عن اللغة العربية: «إنها لن تتطور ما لم يتطور أصحابها أنفسهم، ولن تكون لغة حية إلا إذا حرص أصحابها على الحياة، ولن تكون لغة قادرة على الوفاء باحتياجات العصر، إلا إذا ارتفع أصحابها إلى مستوى العصر ثقافةً وسلوكياتٍ وفهماً، وأخذاً وعطاءً».
ويقول الدكتور محمود أحمد السيد، في كتابه «النهوض باللغة العربية والتمكين لها»: «إن إبعاد العربية عن التعليم العالي والبحث العلمي هو عزل لها عن التعليم، وعزل للناطقين بها عن العلم ووأد للعلم، وهو الذي جعل العالم العربي مستورِداً، لا يحصل من الغرب إلا ما يريد له الغربيون أن يحصل عليه». ثم يضيف: «إن انتشار الجامعات الأجنبية في البلاد العربية، من المغرب إلى الخليج العربي، ستكون له آثاره بعيدة المدى على أمتنا العربية». وكما يوضح الدكتور محمود السيد، فقد خضعت اللغة العربية للقرآن الكريم وتأثرت به، فاتسعت مادتها، وتشعبت أغراضها، واغتنت مضامينها ومعانيها بالتعبير عن عقائد الدين الجديد ومقتنيات الحضارة ومصطلحات العلوم، فتهذّبت ألفاظها، وازدادت رقّة وعذوبةً في المفردات والتراكيب، كما ازدادت دقّة في الأداء وقوةً في المنطق وغنى في المعاني.. وفي الوقت ذاته، فقد اتسعت دائرة معارف هذه اللغة باستخدام الألفاظ الدينية، وبذلك كله استطاعت أن تمثل نموذج اللغة التي يحرص المثقفون من غير أبنائها على معرفتها والتحلي بها، واستعارة حروفها ومفرداتها في لغاتهم الأم».
ويقول محمود عباس العقاد، في الشأن ذاته أيضاً: «لقد قيل كثيراً إن اللغة العربية بقيت لأنها لغة القرآن، وهو قول صحيح، لكن القرآن الكريم إنما هو كتاب الإسلام، دين الإنسانية قاطبةً، وليس بالدين المقصور على شعب أو قبيلة. وقد ماتت العبرية، وهي لغة دينية أو لغة كتاب يدين به قومه». ورغم ذلك، فقد عكفت إسرائيل خلال العقود الماضية على إعادة إحياء هذه اللغة ، لتستعملها في كل المجالات العلمية، وخاصة في التعليم والبحث العلمي.
واستطاعت كوريا الجنوبية الصعود في سلم التنمية البشرية إلى المرتبة السابعة والعشرين، مستخدمةً في ذلك لغتَها الوطنية الأم، لا اللغة الأجنبية، وهذا أيضاً ما فعلته بنجاح واضح عدة دول أخرى، مثل الصين والهند وباكستان وماليزيا. وكما يقول المفكر الأميركي الراحل صموئيل هنتنجتون، صاحب كتاب «صراع الحضارات»، فإن «اللغة والدين هما العنصران المركزيان في أي ثقافة أو حضارة».
وفي كتابه «العلوم والآداب باللغة العامية»، يتحدث الكاتب الإنجليزي جوليان هكسلي عن ضرورة الارتقاء بعقول العامة إلى فهم لغة العلم والآداب العالمية، لا النزول بالعلماء والأدباء إلى مستوى العامة. ولا شك في أن لغة الضاد كانت لغة علم وآداب عالمية في الماضي، وقادرة على أن تكون كذلك في الحاضر والمستقبل.