لكل بلد أنظمة وقوانين وشرائع وقرارات تعكس خصوصيته وتركيبته المجتمعية والسكانية. وأغلب دول الخليج فيها قانون أحوال شخصية مرن، وسلس، ومناسب لطبيعة المجتمع، بل يستند في أكثره إلى أحكام الشريعة الإسلامية السمحة، وهي أحكام وقوانين مستنيرة بطبيعتها، وقد سعت لصون حقوق الناس جميعاً، وأنصفت المرأة والطفل، وحمتهما من الظلم والتعسف والحيف، ومن مخاطر الضياع والتشرد.
لكن في الآونة الأخيرة ظهرت إحصائيات مقلقة حول ظاهرة الطلاق، المتزايدة بكثرة لافتة للانتباه، مما يستدعي التوقف عند هذه الظاهرة ودراستها ومعرفة أسباب انتشارها.
وهناك أيضاً انتشار للعنوسة، وزيادة العزوبية، بسبب العزوف عن الزواج وعدم الإقبال عليه من فئة الشباب، من كلا الجنسين، وهذا ليس بسبب الظروف المعيشية أو الاقتصادية، ولا بسبب غلاء المهور وعدم المقدرة على الزواج الميسر (والذي تسهِّله وتدعمه دول الخليج وتشجعه)، وإنما أساساً بسبب الخوف من احتمال الفشل في تجربة الزواج نفسه، وهو احتمال أصبح «بعبعاً» يرهب الشباب، وبسببه باتوا يتهيبون من الإقدام على الزواج وبناء حياة أسرية!
ويبدو أن المشكلات الأسرية والزوجية التي نراها ونسمع عنها، لا تشجع الشاب أو الشابة على الزواج الذي أصبح البعض ينظر إليه مسبقاً بوصفه «مشروعاً فاشلاً» أو محكوماً عليه بالفشل، وسط هذه المخاوف والمحاذير الاجتماعية والعائلية التي انتشرت بدول الخليج العربي، خاصة في ظل الحريات الجديدة التي أصبحت تتمتع بها المرأة، وما يجري من ضغط مالي على الرجل، جراء المطالب المادية المتزايدة للزوجة والأطفال.
وقد اتضح في كثير من الحالات أن بعض قوانين الأحوال الشخصية تتعاطف كثيراً مع المرأة، مما جعل بعض الرجال يرى فيها قوانين غير متلائمة مع بيئتنا الاجتماعية وخصوصيتنا الثقافية، لاسيما بالنسبة لكثير من العوائل الخليجية المحافظة، التي ترى أن بعض القوانين تشجع المرأة على التمرد وتجريد الزوج من صلاحياته، ومصادرة أمواله، وكبت حريته الشخصية.. مستخدمةً قانون «الأحوال الشخصية» المسلَّط على الرجل، والذي يجعله في بعض الأحيان خاضعاً لأوامر الزوجة، مستسلماً لمشيئتها، خاصة إذا لم تجد رادعاً اجتماعياً يجبرها على الانضباط لمنظومة السياق الاجتماعي المتعارف عليها، لذلك نجد أنها قد تَحرم الأب من ممارسة دوره، كرجل مهاب، ووالد صالح يريد أن يمارس دوره الطبيعي داخل البيت وخارجه، كأي أب يحافظ على هذه المؤسسة الاجتماعية العائلية بانضباط واحترام، حسب تقاليد أهله وبيئة مجتمعه، دون غطرسة، ولا تسلط، ولا إهانة لأي طرف من جانب الطرف الآخر.
ولعله مما زاد الطين بلة أن البعض ممن يحاولون إعطاء رأي في هذه الظاهرة، هم ليسوا من أبناء المجتمع الخليجي، ولا ينتمون لبيئته الثقافية الخاصة، لذا فهم لا يدركون خصوصية الأسرة في هذا المجتمع. تلك الخصوصية النابعة من عادات وتقاليد لا يمكن لمن لا يعرفها أن يستوعب الخلافات الزوجية في هذا المجتمع، وما للبيت الخليجي من أسرار خاصة يتعين إدراكها والإحاطة بها، قبل إعطاء أي تقييم يتعلق بالخلافات العائلية وقضايا التفكك الأسري في هذا المجتمع.
*كاتب سعودي