في ظل التحولات والتغيرات المفاجئة على المجتمعات، أثبتت المرأة ما تمتلك من قوة إرادة تقارع بها أحلك الظروف وأصعبها في سبيل إعلاء إنسانيتها فوق كل شيء، إذ تجيء المحن غالباً متبوعة برصيد ثمين من المنح التي صنعها الإنسان ذاته، وبخاصة في مجال التنمية البشرية، والقيم الأخلاقية، وهذا ما عملت على تعزيزه المرأة المسلمة، في المجتمعات المسلمة خاصةً، قبل ومنذ بداية مجريات «كورونا»، الجائحة العالمية المأمول التغلب عليها عما قريب.
وفي سياق «رب ضارة نافعة» اكتسبت البشرية مناعة أخلاقية ضد التمييز على أساس الجندر، نتاجاً لانعكاسات الدور المهم والحساس الذي قامت به المرأة في المجتمعات المسلمة، ضمن المجالات السياسية، والاجتماعية، والتربوية، والإنسانية، والثقافية، والاقتصادية وغيرها، مثبتةً تميزها بكافة الظروف والتحولات، وبخاصة الأزمات. مما أدى لتحرك الحكومات والمنظمات لتفعيل هذا الدور الدافع بقيم السلم والأمن والاستقرار في العالم، ومعززاً لأواصر التعاون بين المجتمعات المسلمة ودولها على أوسع نطاق، والتكاتف في مواجهة تفشي الفيروس الشرس. وهذا ما دفع «المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة» لتقديم عدة مؤتمرات هادفة تنطلق من أهدافه وتحقق استراتيجيه، والتي كان آخرها مؤتمر «دور المرأة المسلمة في المجتمعات المسلمة في وقت الأزمات»، بمشاركة مئات الفاعلات النسويات المسلمات من الأقطار الخمسة، وما أحوج المجتمعات المسلمة في هذا الظرف لجهود المؤسسات المنصتة لاحتياجاتهم، والداعمة لجهودهم.
وفي ظل ما تواجه المجتمعات المسلمة من آثار وتبعات قاسية على العلاقات الاجتماعية في المجتمعات المسلمة، ومحاولة العديد من التيارات المتطرفة لاستراق الفرص بالتغلغل الفكري، واستغلال مآسي الناس وأزماتهم، تبرز جهود المرأة المسلمة من خلال تقديم العديد من المساهمات المؤسساتية النسوية، من خلال تكثيف التعاون مع المؤسسات الحقوقية والإنسانية، لردع كافة المحاولات المخلة بالتماسك الاجتماعي والأمن القومي، والعمل على نشر الوعي بخطورة تفشي الأوبئة، من خلال المبادرات والمشاريع.
كما تركت المرأة على صعيد عالمي، وبالمجتمعات المسلمة خاصة بصمة سيكون لها دور محوري مهم في هيكلة المنظومة التعليمية، واستشراف وسائل وأدوات حديثة تجعل من التعليم الرقمي أساساً في خطط المدارس والجامعات والمعاهد، عدا عن توجه الحكومات لرقمنة مؤسساتها بتنوعها. ولم يقف دور المرأة في المجتمعات المسلمة على ذلك، إذ مثلت منارة معرفة، وحلقة وصل وتقارب بين أفراد الأسرة، الأمر الذي يدعو للبحث عن إضافة الأدوات والوسائل الحسية والمعرفية، الدافعة بمستوى سلاسة قيامها بمهامها كافةً دون إثقال العبء على كاهلها.
وعلى نطاق أوسع، انعكست مساهمة المرأة المسلمة في التأسيس للعيش المشترك، وتشجيع قيم التعاون والتعارف والتماسك المجتمعي لقهر الفيروس الذي زاد من المسافة بين أبناء المجتمعات، ذلك من خلال تشجيع التلاحم الوطني، وتضافر الجهود المؤسساتية ببغض النظر عن مجالات عملها، ناهيك عن المشاركات النسوية السخية في الجمعيات الخيرية والإغاثية والإنسانية، والثقافية، الإصلاح ما أفسدته الجائحة والوصول لكافة الأفراد المتضررين.
وفي النهاية، فإن كافة الإنجازات السامية التي كونت جزءاً لا يتجزأ من الجهود المقدمة في التغلب على جائحة «كورونا»، والآثار الناجمة عنها، ستسطر في التاريخ الإنساني المعطاء والباني بالحضارات مرتقياً عن كافة العوائق والتحديات البيولوجية والصحية والأخلاقية والفكرية، من خلال جهود دول ومؤسسات وأفراد لم تتوانى في سد الرأب، وهي الإنجازات التي ترفع لها قبعة الاحترام، ثم يعاد وضعها على رؤوس العقلاء ممن سيناقشون منجزات المرأة في تشكيل الصورة الجديدة والمستقبل الواعد، وبتفعيل دورها الريادي في المؤسسات الفاعلة، وإنجاز المقترحات المرجوة لبناء قيادات نسوية شبابية مستعدة للتصدي لتحديات الأزمات الإنسانية، والكوارث الطبيعية.
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة