تشتعل -حتى الساعة- الأحداث في ليبيا بين كر وفر ومواجهات مسلحة توازيها جهود عربية ودولية لوقف إطلاق النار وحقن الدماء، مما استدعى اجتماعاً طارئاً لوزراء الخارجية العرب بطلب من مصر عُقد يوم الثلاثاء الماضي 23 يونيو 2020 وأفضى إلى اتفاق عربي مدعَّم بعدة قرارات تصب جميعها في تعزيز الالتزام المطلق بوحدة ليبيا وسلامة أراضيها وحق مصر والدول العربية في اتخاذ الحلول المناسبة لمنع وقوع ليبيا تحت سيطرة الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة، فضلاً عن أهمية استكمال تنفيذ مسارات مؤتمر برلين في جانبيها السياسي والاقتصادي لتحقيق تسوية شاملة للأزمة والتمهيد لإجراء انتخابات تمكن الشعب الليبي من اختيار ممثليه بحرية تامة، مع رفض كافة التدخلات الأجنبية غير الشرعية التي تنتهك القوانين والقرارات والأعراف الدولية. وهذا حق مشروع مقابل الحالة العبثية التي تعيشها ليبيا، والتي نددت بها عدة دول أوروبية وبالأخص فرنسا التي استشعرت الخطر القائم في الأراضي الليبية واستنكرته بشدة ودعت لرفضه والمبادرة للحشد ضده.
وتخضع ليبيا لتجاذبات سياسية وأصولية وأطماع استعمارية شديدة الخطورة في وقتنا الآني، فمن ناحية سياسية باتت ليبيا محط قلق العالم كدولة ذت عمق استرتيجي واقتصادي وثروات نفطية لا يستهان بها، ومن ناحية أخرى -وفي ظل هذه التجاذبات- فليبيا ترزح تحت هيمنة حكومة تنتمي للتيار الأصولي الإخواني (حكومة «الوفاق الوطني»). والتنظيم الإخواني وكل من ينتمي إليه كما نعلم جميعاً لا يعترف بأرض ولا سيادة ولا شعب بل يعترف فقط بمصالح حزبية توسعية، حتى ولو اضطر للتحالف مع الشيطان، ناهيكم عن دولة بأكملها تدعم هذا التنظيم وتحمي المارقين والفارين من بلدانهم من أعضاء هذا التنظيم، وأعني تركيا.
ليبيا دولة حضارات وأمجاد طويلة وبطولات تنحني لها سطور التاريخ ومجلداته، وشعب أبي وقف ضد الغزاة والمحتلين وقفات شجاعة سطرت في أنصع صفحاته، وتركيا دولة غازية باغية منذ فجر التاريخ، ذات أحلام استعمارية توسعية ولطالما سعت لبسط نفوذ لا يتوقف عند حدود ليبيا شرقاً بل يتجاوزها بكثير، وقد تكون ليبيا قنطرة تحقيق أحلام السيادة العثمانية وصولا إلى شبه الجزيرة العربية، وعليه فالأمن القومي العربي برمته مرهون في الوقت الحالي بحلول جادة وسريعة، وجهود دولية وعربية صادقة وجريئة؛ فالمهددات تمتد شرقاً من قبل إيران التي تحاصر العالم العربي بحروب الوكالة، فميليشيات الحوثي في اليمن و«حزب الله» في لبنان وسوريا، وغرباً تلتف تركيا بأفعوانية استعمارية مدعومة بحكومة السراج ومدججة بمليشياتها وعتادها لتدك أرضاً عربية بغية تمزيقها وتقسيمها ونهب ثرواتها ومقدراتها وإضعافها بما تتوهمه حقاً تاريخياً مشروعاً وبالتالي استكمال الحلم العثماني لما بعد ليبيا. ورغم التباين بين المشروعين الشرقي والغربي، إلا أن الأهداف هي ذاتها والأطماع والمحركات لا تختلف، فهل نحن على موعد مع حالة سياسة عربية غير مطمئنة إزاء ليبيا تمهد لتركيا إمكانية بسط نفوذها على كامل منطقتنا العربية لتمزقها بحروب الاستنزاف والتقسيم، أم أن تركيا على موعد مع وأد حلمها التاريخي وقبره في أرض ليبيا العربية الأبية لتعود إلى مربعها الأول، تلملم عنترياتها العثمانية الباغية، وبالتالي تتغير موازين القوى في المنطقة وكان الله «بالحلم» عليما؟!
في كل الأحوال، ما تمارسه تركيا في الأراضي الليبية هو بلطجة سياسية ستُلحق بها عاراً فوق عارها التاريخي الدموي، وغدر يضاف إلى سجلها الحافل بالطغيان وخازوق لن تتخلص منه ما بقيت، فالتاريخ لا يرحم!
*كاتبة سعودية