مسلسل مثير للجدل، ليس لأنه ضعيف أو مرتبك أو أن فكرته لم تصل للناس، بل لأنه حقق المعادلة الصعبة التي تتمثل في تقديم عمل كبير ملهمٍ ومثير للأسئلة، وفيه من التحديات والتشويق ما يحقق المعادلة الأخرى وهي إرضاء الجمهور، وفي الحالتين الرضا من عدمه فقد استطاع المسلسل، وقبل نهاية الشهر، تحقيق النجاح الجماهيري الذي لم يتوقعه طاقم العمل نفسه المكوّن من مجموعة كبيرة من الفنانين السعوديين الأشقاء، بالإضافة إلى الدعم التركي في كتابة السيناريو ورسم الحوارات الداخلية والرؤية الفنية للأحداث.
الملفت في أمر هذا العمل الضخم أنه قد حقق النجاح ليس على مستوى المملكة، بل تجاوز ذلك إلى خارج نطاق منطقة الإنتاج، وهو وإنْ لم يطرح فكرة جديدة كُليّةً غيرَ أن الحدث داخل الفكرة هو الجديد، وكذلك التصوير السينمائي الماتع، وطريقة التنقل بين المشاهد رغم صعوبة الربط أحياناً بين الحدث والتحول الفجائي في إدارته، كالذي حدث لسعد بعد أن حاد عمّا كان عنه، ليصبح شخصاً آخر ينبذ المجتمع الذي كان يحبّه، ليصير عدواً له، هناك نقلة وحبكة درامية مهمة في حالة التحول تلك، أما «وضحى» فتلك حكاية أخرى.
«شارع الأعشى»، الذي أُخذ عن رواية «غراميات شارع الأعشى» للدكتورة بدرية البشر، حمل أحلام الكثيرين في داخله في حقبة زمنية عاشها جيل شاب تعلّق فيه بقصائد الشعراء المبدعين وبأم كلثوم، وعبدالحليم، وبالإنتاج السينمائي والتلفزيوني حينما دخلت التلفزيونات الأبيض والأسود والتيلفونات إلى بعض المنازل، زمن جميل ظهر في حلّة إنتاجية رائعة.
الخليج العربي في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كان متشابها ليس مناطقياً واجتماعياً وثقافياً فقط، بل إن تفاصيل الحياة اليومية تكاد تكون متشابهة، ونحن نذكر كيف كان الرجال يسافرون إلى الدول المجاورة للعمل والبحث عن مصادر الرزق، وكيف وفد على مجتمعاتنا المعلمون والأطباء والمهندسون وغيرهم، ممن جاؤوا واختلطوا بالناس في تمازج اجتماعي وعاطفي يقوم على الاحترام والتراحم والتواصل، كل ذلك أثر في عمق تلك العلاقات التي تشابكت في بعض الأحيان، هذا ما لامسهُ المسلسل ببراعة متناهية.
كان الفتيان والفتيات في ذلك الزمان يتعارفون في وضع طبيعي جداً وكم من الحبّيبة فشلت مشاريعهم العاطفية بسبب القيود الاجتماعية والأسرية التي لم يتجاوزها أحدهم في سلوكه الطبيعي، وتعلقه العاطفي، لذا كان الفشل حليف أغلب تلك العلاقات الجميلة التي عاشتها بإتقان شخصيات «عواطف وسعد، عزيزة وأحمد، مزنة ورياض»، والتي يتبرأ منها اليوم بعض الذين عاشوها بتفاصيلها الحلوة في تلك الأيام.