تقول فتاة بريطانية إنها تعوّدت على سؤالين
الأول من أين أنتِ؟
أنا من بيرمنجهام
الثاني أقصد من أين أمك؟
هي من بيرمنجهام أيضاً
وهما سؤالان يأتيانها، لأنها ليست بيضاء، ولكن تشوبها سحنة سوداء، وتظل لهذا موضع استفهام يلاحقها لتثبت كل مرة أنها بريطانية، ولكنها في الحقيقة تجد أن غيرها دوماً يريد أن يقول لها إنها ليست بريطانية، رغم أنها لم تزر أفريقيا غير مرة واحدة في رحلة طبية تطوعية، ولا تعرف غير بريطانيا بلداً لها، ولهجتها تكشف عن إنجليزية عامية، كما هي لهجة وسط إنجلترا، باللكنة المعروفة عن تلك المنطقة، ولكن لهجتها العامية لم تنقذها ولم تتوقف قط عن مسعى إثبات بريطانيتها، كما أن إجابتها الأولى بأنها من بيرمنجهام لم تكن كافيةً، وتستغرب أن لا أحد يسأل عن أبيها لسبب لا تعلمه، ويكتفون فقط بها وبأمها.
ورغم أنها تجد بعد ذلك تقبلاً معقولاً لها، فإنها تظل تقع تحت الشعور بأنها لا تنتمي لهذا المكان وهذا ما يزعجها، وترى أن الأفارقة من بني جنسها ممن لهم علاقات مع أفريقيا أحسن حظاً منها لأن لديهم ذاكرةً لمكان رحيم يعتقدون أنه يشعر بهم، بينما هي لا تحس أن لها مكاناً يشعر بها، وعلامة ذلك هو طرح السؤال الذي يعذبها ويطلب هويتها، ويجعلها معلقةً في فراغ روحي وغربة نفسية. وهكذا يتحوّل كل لقاء لها مع البيض تحديداً لحظة تعذيب روحي يشعرها أنها خارج المكان.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض