محمد نجيم (الرباط)
عوالم بصرية لافتة ومُحفزة للحواس، تلك التي نجدها في الأعمال الفنية والتنصيبات والمنحوتات المحملة بكثافة الرموز والأشكال، التي أُبدِعت بأسلوبٍ مُتفرد وظّف فيها الفنان منير بنرقي بؤر تجريدية ومضامين فنية قائمة على قوة الألوان وتَحاور الأشكال وتآلفها داخل مسرود بصري بأفقٍ جمالي سلِس ومغاير يشكل هوية وبصمة الفنان الخاصة به، والتي تأخذ المتلقي إلى أفق تتبدى فيه رؤية الفنان الفلسفية، فضلاً عن تموُّجات الموسيقى التي تشكل بلاغة فنية صوفية نورانية بقوة ضربات الريشة ومقاربة جمالية تحتقي باللون وإيقاعاته الرمزية والعلاماتية.
أبعاد جمالية
المتأمل في لوحات الفنان منير بنرقي، التي قدمها في رواق فني بطنجة، يكتشف أن الفنان يستمد إلهامه من الرموز الأمازيغية والأيقونات الأفريقية والفن الصخري، حيث تعبر أعماله عن شغفه القوي بالحضارات القديمة وتجليات جذوره الثقافية وارتباطاته الوجدانية والنفسية والفيسيولوجية من خلال التعبير عن أصالته الذاتية ووعيه التام بدلالاتها وفلسفتها وليس مجرد التقليد أو حتى الإبهار، حيث حول الفنان دلالة الرموز من وسيلة ذات عناصر مادية مختزلة إلى كيان فني تشكيلي ذي غاية محملة بأبعاد جمالية لتفتح في روح المتلقي نوافذ من نور بوسعها أن تضيء العالم، فالفنان كما قالت الناقدة والباحثة الجمالية سعاد الحافيظي في شهادتها، يميل إلى الرمزية التجريدية كوسيلة للتواصل، كما أغواه سحر الألوان ووقع أسير المساحات والخامات المتعددة التي يعتمد عليها في أعماله الإبداعية.
فلسفية روحية
أما الناقد الفني طارق يزيدي، فيصف أعمال الفنان منير بنرقي بأنها تنسجم مع مفهوم رؤية العالم المثالية عند الألمان في سياق النهضة الأوروبية، في ارتباطه بأسئلة «الما بعد» أو «Post» التي عرفها الفكر الغربي، حيث خضعت مقومات الفكر الحداثي للمراجعة والفحص والنقد والتشريح والتفكيك والتجاوز، ومن ثم تبلور المصطلح في تيارات فكر ما بعد الحداثة، وما بعد الكولونيالية وما تعلق بهما من إشكالات التعددية الثقافية وفق منهج علمي معرفي نفسي، ممزوج بفلسفة الدين والتصوف، وفي الجمع بين التعبير المادي التشكيلي والقراءة الفلسفية الروحية في القضايا اللامتناهية.
متعة بصرية
أما الفنان منير برقي، فأشار في كلمته التي ألقالها خلال افتتاح المعرض، قائلاً «ولادة جديدة لي لأنني خرجت عن المألوف وبدل أن أرسم ما أرى أصبحت أتفاعل مع ما لا أرى، أحاسيس وأسئلة وجودية حارقة لا أجد لها إجابة إلا في العودة إلى جذوري والغوص في أعماق نفسي لكشف الحقيقة، وبعد بحث طويل عن متعة بصرية خلصت إلى أن الإبداع هو أن تأتي بجديد لم يسبق أن قدمته أنت أو قدمه غيرك في العالم، فجمال وسحر الفن يكمن في التجديد والابتكار الدائم، ولأنني أعمل على ثيمة السرمدي المتجدد برمزيته عملت على بلورة فكرة أن أصبح أنا اللوحة الحية المنجزة من طرف الحضور، فالجميع يرسمون في أنا، ونحن ندور في فلك حلقة متحركة تتمايل باتباع ترانيم الحضرة التي يتبعها تفاعل الجمهور، بحيث يصبح جميع الحاضرين لوحة فنية تجسد جمال الفلك المتحرك اللانهائي».