سعد عبد الراضي وفاطمة عطفة (أبوظبي)
انطلقت أمس أعمال الدورة السادسة من القمة الثقافية أبوظبي في منارة السعديات ببرنامج استثنائي من الكلمات الرئيسية والحوارات الإبداعية والجلسات الحوارية والعروض الثقافية، بمشاركة نخبة من قادة الفكر العالمي من أكثر من 90 دولة تحت شعار «مسألة وقت». وفي اليوم الأول من الحدث الذي يستمر ثلاثة أيام، استكشفت القمة دور الثقافة في خلق الذكريات الجماعية مع النظر في بدائل للمفهوم الخطي للوقت.
ورحب معالي محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، في كلمته الافتتاحية بالحضور في أبوظبي، وقال: «تنعقد القمة الثقافية أبوظبي لهذا العام تحت شعار «مسألة وقت» ليكون بمثابة دعوة لنا جميعاً للتوقف والتأمل في أن القمة الثقافية ليست مجرد كلمات نلقيها، بل ستتم خلالها مناقشة قضايا حيوية سعياً لإيجاد حلول ملموسة تلبي احتياجات المجتمعات العالمية. ستتيح لنا الثقافة فهم واحترام وقبول ثقافة الآخر والحفاظ عليها. ولا شك أنه عندما نصل إلى هذا المستوى من الانسجام والتناغم، فإننا سوف نخلق عالماً فريداً من الحوار والتفاهم يستوعب فيه كل منا الآخر».
وفي معرض تعليقه على أهمية القمة الثقافية أبوظبي، أضاف معاليه: «إنه لشرف عظيم لنا أن نستضيف اليوم هذه الكوكبة اللامعة من المفكرين والفنانين وصناع التغيير والقادة من مختلف الجنسيات. وإنني على ثقة من أن صوت الجميع سيصل إلى جميع أنحاء العالم من خلال القمة الثقافية».
الإنسان والأزمنة
وقدم معالي محمد خليفة المبارك الشاعر والفيلسوف العالمي أدونيس، الذي ألقى الكلمة الرئيسية الأولى في القمة، والتي ركز فيها على شعار القمة «مسألة وقت»، حيث وضع إطاراً لعلاقة الإنسان بالأزمنة، وقدرته على الإبداع، وإمكانات الآلة في تحقيق حلم الإنسان، وهيمنة الآلة على الزمن الراهن، مؤكداً أن قوة الإنسان تكمن في قدرته على طرح الأسئلة، أكثر ما تكمن في قدرته على تقديم الإجابات.
وقال أدونيس: «ليس الزمن آلة.. بل الإنسان هو الذي يبتكره، ثانية بثانية..»، ولكنه تساءل كيف تمكّن الزمن من أن يستعبد الإنسان بدلاً من أن يحرره، مرجعاً ذلك إلى طريقة تعاطي الإنسان مع الآلة، متسائلاً: «كيف أمكن أن يصبح الإنسان، مبدع الآلة وسيدها، تابعاً لها، ولماذا؟».
وأوضح قائلاً: «العلة ليست في الآلة نفسها، أو في زمنها، وإنما العلة في العقل الذي يستخدمها، العلة في الإنسان نفسه». وربط أدونيس بين الزمن والحرية، مشيراً إلى أنه «لا زمن لمن يعيش ويفكر ويعمل تابعاً لزمن الآخرين»، مختتماً كلمته بالقول: «قل لي ما زمنك، وسوف أقول لك ما مكانك ومن أنت».
محاورة الجسمي
وضمن فعاليات اليوم الأول للقمة، عقدت جلسة افتتاحية حاورت فيها الإعلامية منى الشاذلي، الفنان الإماراتي والسفير فوق العادة للنوايا الحسنة حسين الجسمي، ضمن برنامج «حوارات إبداعية»، حيث تطرق الحوار إلى عدد من المحاور شملت أهمية عامل الوقت في صناعة الفنان، وأهمية رعاية المبدعين ودور الإمارات بصفتها حاضنة للإبداع والتناغم الثقافي، وتأثير الذكاء الاصطناعي على الحركة الفنية والإبداعية.
وأشار الجسمي خلال الحوار إلى أن دولة الإمارات تولي المبدعين رعاية خاصة، لاسيما في مراحل مبكرة من بداية تشكل الموهبة وصقلها. وسرد تجربته الشخصية في مشواره الفني الذي حصل خلاله على دعم كبير من بيئته المحيطة وقيادة الدولة، والتي كان أهم محطاتها لقاء المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي وصفه الجسمي بأنه الداعم الأول للمبدعين في الدولة، مؤكداً أن هذا النهج لم يخفت يوماً وأن القيادة الرشيدة لم تدخر جهداً في تقديم كل الدعم للمبدعين.
وفي سياق أهمية دعم الإبداع، قال الجسمي إنه حالياً يعمل مع الجهات المختصة من مؤسسات وجهات مختلفة على تنفيذ مشروع فني طموح لاكتشاف ورعاية المواهب بالتعاون مع المدارس، ويشمل الموسيقى والغناء والتذوق الفني، التي يؤمن بأنها عوامل تسهم في خلق أجيال أكثر قدرة على الإبداع، من خلال منصات متخصصة قادرة على دعم المواهب الواعدة والاستثمار فيها، بما يمنح احتراف الفن تقديراً مجتمعياً أكبر.
وعن أهمية التنوع الثقافي في عمل المبدعين والمثقفين، قال الجسمي: «إن التبادل الثقافي يأتي يداً بيد مع قدرة الحضارات والمبدعين على حد سواء على التعايش وخلق التناغم والانسجام ليقدموا حركة إبداعية فنية متكاملة الأركان»، وأشار إلى أن الإمارات هي خير مثال على ذلك التناغم، من خلال احتضان سكان من أكثر من 200 جنسية على أرضها، ما يعني أكثر من 200 ثقافة يتم تداولها على مختلف الأصعدة، وهو ما يعد كنزاً ثقافيا ويسهم حتماً في إثراء المخزون الثقافي للمبدع، مع بقاء التحدي الحقيقي في الحفاظ على الهوية حاضرة في كل مراحل التطور. وأكد أنه شخصياً من أكثر المستفيدين من هذا التنوع الغني وأنه ما زال في خضم كل هذا فخوراً بهويته الإماراتية وأنه يمثل كل الوطن العربي بهذه الهوية. وقال: «يمكن أن تمشي 700 متر في أي ممشى في دولة الإمارات فتتحدث بخمس لهجات ولغات مختلفة مع المجتمع».
ولدى سؤاله عن أهمية الذكاء الاصطناعي في الصناعات الثقافية والإبداعية، قال الجسمي: إن الحد الفصل في هذا هو التشريعات والقوانين الناظمة التي تضمن حقوق المبدعين، مؤكداً أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لا يشكل خطراً على المبدعين، لكن لابد أن تواكب التشريعات احتياجات القطاع. وأشاد في ختام حديثه بجهود دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي وحرصها على حماية حقوق الملكية الفكرية وتشجيع المبدعين على تسجيل حقوقهم الفكرية، موجهاً الدعوة للمبدعين حول العالم ليأتوا إلى دولة الإمارات لتسجيل حقوقهم الفكرية وحمايتها، حيث تضمن المنظومة التشريعية حماية حقوقهم.
حوارات إبداعية
شارك وول سوينكا، الحائز جائزة نوبل للآداب والكاتب المسرحي وأستاذ المسرح في جامعة نيويورك أبوظبي، في ندوة حوارية إبداعية مع مانثيا دياوارا، الأستاذة في قسم دراسات السينما في كلية تيش للفنون بجامعة نيويورك لمناقشة تعقيدات الثقافة الأفريقية والقضايا المتعلقة بالهوية، وكذلك الاختلافات في الأيديولوجيات في جميع أنحاء القارة بسبب العبودية ونهب الأعمال الفنية والتحف. واستكشفت إحدى الجلسات الحوارية بعنوان «معارف السكان الأصليين حول العيش المستدام» منظوراً بديلاً لمفهوم الوقت. وخلال حديثها مع فنانين وممارسين من العديد من مجتمعات السكان الأصليين، دعت الجلسة الجمهور إلى تفكيك المفاهيم الغربية للزمان والمكان، والابتعاد عن الاستقامة الخطية. وتُظهر أعمال الفنانين الأربعة الذين استضافتهم الجلسة (إيرينا بيكر-أرابيري وسارة هدسون من ماتاهو للفنون، ودانيال بويد من دانييل بويد للفنون، ونيكولاس جالانين) أنه يمكن النظر إلى الوقت على أنه سلسلة متصلة، حيث ترتبط المعرفة الحية من خلال الذكريات والإمكانيات الجماعية.