كمال عبد الحميد
«كل فن يحمل نوراً إلى الآخر»، كلمات للفيلسوف الفرنسي فولتير تضعنا أمام جوهر الفنون وتأثيرها العميق. وفي العشرين من فبراير الجاري يعود «فن أبوظبي» متألقاً ومحتشداً بحضور أكثر من 100 صالة عرض محلية وعالمية من 31 بلداً، لتضيء أنواره فعاليات نسخته الـ 16 منارة السعديات في العاصمة الزاهية أبوظبي بتنوع هائل في الأعمال والتجارب الفنية والثقافية والمعرفية، التي تعكس في جوهرها ثراءً كبيراً للمعرض الذي أضحى منصة فنية عالمية فاعلة في تحقيق التواصل الثقافي، والتلاقي بين مختلف الاتجاهات الفنية والمبدعين من كل أنحاء العالم.
في نسخته لهذا العام 2024، اختار المعرض «الفنان الإماراتي محمد كاظم، ليكون فنان الحملة البصرية؛ وذلك تقديراً لإسهاماته الكبيرة في تشكيل المشهد الفني في دولة الإمارات.. ودعم مجتمع الفن المحلي لأكثر من 4 عقود من الزمن»، هذا الاختيار الذي تلقاه كاظم بسعادة وامتنان كبيرين، مؤكداً لـ «الاتحاد»، أن «فن أبوظبي» يعكس في كل دورة من دوراته حيوية وتميزاً فريداً، كما أن المعرض رسخ خلال هذه السنوات حضوره في المشهد الفني والثقافي المحلي والعالمي جسراً إبداعياً بين الثقافات، ونافذة على التطورات والرؤى والتقنيات الجديدة في العالم، إضافة إلى كونه عنواناً مضيئاً يعزز المكانة الثقافية والفنية للعاصمة أبوظبي.
فرادة وتميز الفنان محمد كاظم، كما تراها إيزابيل فان دن إيندي، مديرة صالة عرض إيزابيل فان دن إيندي، ترتكز على أنه «طوَّر ممارسة فنية تشمل الفيديو والتصوير الفوتوغرافي والأداء، لإيجاد طرق جديدة تساعده على فهم بيئته وتجاربه بشكل أكبر، حيث تقوم أُسس أعماله على معرفته وشغفه بالموسيقى، بينما ينخرط كاظم بشكل كبير في تطوير العمليات التي يُمكنها تحويل الظواهر العابرة، مثل الصوت والضوء، إلى أفكار واقعية ملموسة».
ويتزامن اختيار معرض «فن أبوظبي» لـ«محمد كاظم» فناناً لحملته البصرية مع حضور أعمال كاظم في «بينالي إينوفا للفنون» في مدينة لانغ فانغ بالصين، مع القيّم الفني للبينالي المشهور عالمياً فوميو نانجو، ويجيء البينالي، الذي يستمر حتى 30 أبريل 2025، تحت شعار «مستقبل متعدد: رؤى جديدة لحياتنا»، ويشارك كاظم مع مجموعة من الفنانين العالميين ضمن محور الاستدامة البيئية بعملي (فيديو)، الأول: الاتجاهات، والثاني: جمع الأمواج.
مفهوم مختلف للبدايات والنهايات
المقيّمة والفنانة الإيطالية كريستيانا دي ماركي، قدمت نصاً تأويلياً للعملين اللذين يشارك بهما كاظم في البينالي العالمي، ونقتطف من نصّها، الذي يوازي جماليات العمل الفني، ما ذكرته حول العمل الفني الثاني لكاظم في بينالي «بينالي إينوفا للفنون»، تقول كريستيانا دي ماركي: (يسلط هذا العمل الفني الضوء على كيفية تأملنا لحركة الأشياء من حولنا وتصورنا للزمن. يُعْرَض في شكل يشبه في بعض الأحيان أمواج البحر لأنها دائمة الحركة ولا تتشابه أبداً. يقدّم هذا العمل الفني مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي تلتقط الأمواج على شاطئ الحمرية في الشارقة، في محاولة لتثبيت تلك الأمواج، يحاول الفنان محمد كاظم من خلال نظام تحديد المواقع والصور والإحداثيات تحديد موقع هذه الأمواج وتسجيل حركتها الديناميكية، ومن ثم تقديمها كعمل فني. عند عرض العمل، يستخدم الفنان أضواء LED زرقاء اللون لتوفير السياق المتموج بحيث يشعر المشاهدون وكأنهم يشاهدون قطعة من البحر. في المعرض، يقدم العمل الفني مفهوماً مختلفاً للبدايات والنهايات، للصعود والهبوط، للحياة والموت. هكذا هي الأمواج، ترتفع إلى قممها لتتحطم وتتلاشى. موجة بعد موجة، في دورة أبدية من الحياة والموت. يستكمل محمد كاظم مشاريعه في جمع الأمواج التي بدأها في عام 2016 عندما قدم «جمع الضوء» مستخدماً المفهوم نفسه، وإن كان يقدم فهماً أعمق للإنسان في «جمع الأمواج». من خلال التقاطه للزمن وشكل الأمواج، يقدم لنا عمله الفني لحظة وجودية حقيقية، حيث تحدث الحياة والموت معاً في الوقت نفسه).