السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. نزار قبيلات يكتب: لماذا الاهتمام بالأدب الشعبي؟

د. نزار قبيلات
17 سبتمبر 2023 01:19

للشعوب عامةً لونان من الأدب: المكتوب والشفاهي، وهو أدبٌ جرى تناقله جيلاً إثر جيل، ما أدى إلى حفظِه رغم عوامل الحداثة والعولمة، التي هددته وتهدده على الدوام، فما انفك الأدب الشعبي يشكل جزءاً مهماً من هوية المجتمع، فقد عُدّ مؤخراً من الآثار الثمينة التي يتركها الإنسان خلفه وإن لم تكن آثاراً ماديةً، فالأدب الفلكلوري أو الشعبي أكثر التصاقاً بالمجتمع من الآداب العالمية التي لا تحمل بصمة مجتمعية خاصة. فنحن على سبيل الذكر لا نعد روايات ديستويفسكي من الأدب الفلكلوري الخاص بالأمة الروسية بقدر ما نعدها أدباً عالمياً خالداً، فقد عبّرت أعمال ديستويفسكي الأدبية بإخلاصٍ عن نماذج إنسانية تقطن أرجاء المعمورة ولا ينحصر وجودها في المجتمع الروسي وحسب.
والاهتمام بالأدب الشعبي رعته الأمم الغربية منذ آماد طويلة، منها المجتمع الأميركي الذي حرص كما يذكر «روبرت سبلر» في كتابه النقد الجديد على حفظ الموروث، الذي رافق تأسيس المجتمع الأميركي الجديد بأغانيه وقصصه وأساطيره وأناشيده وفكاهاته وأمثاله وأحاجيه وخرافاته، فحتى المدن التي قطنها المهاجرون الأوروبيون في الساحل الشرقي للقارة الأميركية تحمل أسماء مدنهم التي هاجروا منها في إنكلترا وإيرلندا وفرنسا وسواها، فترى مدناً أميركية تحمل أسماء مدن بريطانية عريقة: كلندن ودبلن ومانشستر ونيويورك على غرار «يورك» البلدة البريطانية المعروفة، وبالمقابل اهتمت الجامعات الأميركية مبكراً لا سيما أساتذة الأدب فيها بمسألة حفظ التراث غير المادي الذي كان مصدره ما تعلّمه الأبناء من الآباء والأجداد وأصدقائهم، فالأمم تحافظ على إرثها كما تحافظ على حاضرها، فقد بات الاهتمام بأصل اللّغات المحكية التي حملت هذا الإرث غير المادي والتي ستحميه من الاضمحلال ظاهراً في الدّرس اللغوي الحديث، وذلك وفق آخر نتائج المدارس الألسنية الجديدة، فإحياء التراث الثقافي يعني مداولته من خلال تدريسه في مساقات ترعى الحركة الأدبية المحلية وأيضاً من خلال مؤسسات إنتاج سينمائي وتلفزيوني تعمد إلى نقل المكتوب منه إلى الشفوي، والشفوي إلى المرئي.
 الأدب المحلي مصدر نهضوي لا يقل أهمية عن المصادر الطبيعية الأخرى التي تحتاج لعوامل التنمية المستدامة ودوافعها، على أننا ندرك أن الأدب الفلكلوري يعني اختلافاتٍ شفوية نابعة عن تنوعٍ في البيئات الحاضنة والأدوات الحضارية ومستمسكاتها في الساحل والجبل والصحراء وفي المواسم والمناسبات والوقائع...، فهو بذلك يختلف عن الأدب الإنساني الذي يفهمه العالم بيسر وتجعله الترجمة سائغاً، فيسهل حفظه وعرضه للعالم أجمع لو قورن الأمر بالأدب الشعبي الذي يحتاج إلى مشاريع وطنية كبيرة، على أننا ندرك أيضاً أن الأدب الفلكلوري أصيلٌ من حيث مقدرته على ربط الجغرافيا وظواهرها بالإنسان وحوادثه وهمومه، فقد صهرها جميعاً في بوتقة الفنون الشعبية على تعدد أجناسها الغنائية والقصصية والحرفية، فالشعوب التي تريد أن تنشر رسالتها الإنسانية تشعر بأنها مطالبة أيضاً بنشر فلكلورها وإرثها بشقيه المادي والمعنوي.

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©