السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. نزار قبيلات يكتب: وارثو اللغة العربية

د. نزار قبيلات يكتب: وارثو اللغة العربية
23 يوليو 2023 01:00

صغيرتي التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات تواجه خَطر فقدان «العربية» كلغة أمّ، فكما يقال في المثل الشعبي «باب النّجار مخلع»، إذ إنني لم أتمكن حتى اليوم من جعل «العربية» اللّغة الأولى بين اللّغات التي يتعلمها أبنائي، تاركاً شأن تعلم لغة أخرى كخيار خاصٍ بهم، فيكتسبونها مهارات تُعينهم مستقبلاً في أغراض البحث العلمي وشؤون الحياة، لقد بات أبناؤنا يتقنون «الإنجليزية» بطلاقة، ويعبّرون بها عفو الخاطر، في حين تتحجّر «العربية» على ألسنتهم وتتراجع مكانتها لديهم، إذ لم تعد المدارس الحكومية والخاصة الشماعة التي نعلق عليها الأسباب والظروف التي أوجدت هذه الفئة، فهناك المحتوى العالمي الذي يُقدّم في الفضاء الإلكتروني المفتوح، حاملاً الأخبار العاجلة وعرض المقتنيات والطرائف والعلوم والنصائح... جلّها يُقدّم بلغة غير لغتنا، وإن حدث وقُدِمت بـ«العربية»، فإنها تكون لغة مزدوجة هجينة لا تراعي سَمت «العربية» الأصيل وطرق التواصل المعهودة بها.
 لقد عملت لسنوات طويلة مدرساً للغة العربية كلغة ثانية في الولايات المتحدة الأميركية وفي روسيا، ولمست خلال هذه الخبرة غير القصيرة أن الطلاب من الأصول «العربية» يمثلون تحدياً للمعلم في الغرفة الصفية، وكذا لواضعي المقرر التعليمي الذي صُمم وفق مستويات المبتدئ والمتوسط والمتقدم والمتميز، ولاحظت أن مجمل المقررات تلك لا تلتفت للفروق الفردية المتباينة لأولئك المتعلمين، فهم يتحدثون العاميات بطلاقة في حين يتحدثون الفصحى بصعوبة بالغة، والسبب أن «العربية» لم تجرِ على ألسنتهم بِطلاقة ودِقة مثل اللغة التي حلّت مكانها، فمع تزايد عدد وارثي اللغة في مجتمعاتنا العربية ولم يعد يقتصر وجودهم في المهجر وحسب صار التركيز على الجانب الثقافي في تعليم «العربية» حلاً غير كافٍ، فما زالت فئة وارثي «العربية» بحاجة إلى تبصّر وجهد حقيقي لبيان مكمن التعثر اللغوي لديهم أهو في: اكتساب مفردات ومصطلحات جديدة أم في مهارة الكتابة والقراءة والاستيعاب والاستماع. وهنا نقترح إعادة ربط «العربية» لديهم في شؤون حياتهم العملية من خلال مقررات تعليمية تقدم نصوصاً عصرية ملامسة للواقع، كأن تكون نصوص من الصحافة العربية اليومية وقصص من التراث الشعبي، والعمل على فصل كل مهارة على حدة عند تدريسهم، وأيضاً العمل على إدماجهم في مسابقات وفعاليات ثقافية في الشعر العربي والرسم والغناء، فوارث اللّغة لا يعاني ازدواجية اللّغة العربية وتراوحها بين العامي والفصيح، بقدر ما يحتاج إلى ممارستها في مواقف لغوية حقيقية تتجاوز حدود التواصل مع الأسرة والأصدقاء والمناسبات العامة... كأن يُطلَب من وارث اللغة كتابة مقالة أو قصة قصيرة بلغة عربية تصل للمستوى الفصيح على الأقل.
 وارثو اللغة يصعب تصنيفهم حسب المستوى التعليمي، وإن كانوا كذلك فإن مستواهم متراوح وغير مستقر، فقد يتعثّرون بشكل ملحوظ في جانب القراءة، وفي مهارة المحادثة يبدو التعثر أقل نتيجة ما اكتسبوه في المنزل مع الأب والأم ومع الأقارب في المناسبات والزيارات، لذا فإن طرق الحل ليست صعبة لكنها تتطلب الإسراع في إدخال العربية للمناهج كلغة تواصل بالتزامن مع اللغات العالمية، وتدريسها من خلال منهاج يراعي جانبين، وهما: التفاوت لديهم في إتقان المهارات الأربع، والغرض الخاص من إتقان «العربية» في حال وجد.
................................................................................................
* أستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©