سعيد ياسين (القاهرة)
«(أدب الجريمة) هو الذي اختارني، لم أتخيل في بدايتي أن أكون كاتبة روايات، وأن أتخصص في الكتابة البوليسية، لكنها رحلة ممتعة، كتبت لي عمراً جديداً مع لون غير منتشر في الأدب العربي، الأمر الذي جعلني أتحيز وأتحمس له»..
هكذا تلخص الروائية نهى داود تجربتها، وقالت لـ«الاتحاد»، إنها لم تتوقف عند عدم وجود نماذج نسائية بارزة في أدب الجريمة في مصر مقارنة بالرجال، وحين بدأت لم تنظر للمسألة من جانب هذا التصنيف، ولكن من زاوية أنه غير موجود على الساحة المصرية والعربية بشكل كبير، وأن بعض الكتاب ممن قدموا أعمالاً في الأدب البوليسي، لم يخلصوا لهذا اللون، فقدموا الجريمة وقدموا بجوارها ألواناً أخرى مختلفة، وأنها تريد أن تخلصه من ذلك، ويكون له ضوابط وروح معينة.
كشفت داود أنها لم تبحث عن دور للنشر إلا بعدما انتهت من كتابة ثلاث روايات، أولاها «جريمة في الفندق» عام 2017، أثناء رحلة مع أسرتها لفندق بالغردقة جنوبي مصر، وكانت تقرأ قصة لأجاثا كريستي وبعد تناولهم العشاء شعروا بتعب شديد، وأوحت لها هذه الأجواء بكتابة الرواية التي تمحورت حول سيدة فضولية في الخمسين تسافر لأول مرة بمفردها، وحين وقعت جريمة في الفندق دست أنفها حتى ساعدت الشرطة في الوصول إلى القاتل. والثانية «مشهد سيما» التي استلهمتها من موقف صادم لمساعدتها بالعثور على ما يشبه جثة في الطريق، اكتشفت أنها تخص تصوير فريق عمل تصوير فيلم سينمائي، والرواية الثالثة «رضا» الأقرب لقلبها، بسبب التحدي والمجهود الكبير الذي بذلته في كتابتها، وكانت في أوقات كثيرة تتقمص شخصية القاتل المخادعة لتكتب.
لون تجاري
لا تخفي نهى أنها وجدت صعوبة كبيرة في النشر، خصوصاً وأن أدب الجريمة ينظر له على أنه لون تجاري، ثم تشجعت ونشرت رواياتها الثلاث الأولى على نفقتها الخاصة، قبل أن تتحمس لها إحدى دور النشر عبر مسابقة، ونشرت من خلالها روايات «جريمة في ليلة ممطرة» و«جريمة السيدة هـ» وغيرهما، وبعدها بدأ الكثيرون يبحثون عن رواياتها الأولى التي كُتب لها النجاح والانتشار مجدداً.
وعن الخصائص التي تميز أدب الجريمة عن الأنواع الأخرى، تقول: توجد خصائص أساسية كلما احترمها الكاتب قدم وجبة ممتعة للقراء، فالشخصيات مهمة وأهم من أي شيء، والأحداث يجب أن تكون مترابطة، والحبكة قوية وقائمة على الصراع بين الشخصيات، وألا يتم تأخير الجريمة على القارئ الذي يريد أن يدخل فيجدها، لأنه يريد أن يهرب من الواقع.
وتؤمن داود بمقولة «الكتابة فن المحو»، وتشعر أن الكاتب الجريء هو من لديه القدرة على أن يحذف كثيراً، ليعطي القارئ وجبة مكثفة وممتعة، وتفضل التخطيط المحكم الذي يستغرق وقتاً طويلاً لكل التفاصيل التي تراجعها جيداً قبل أن تبدأ كتابة الرواية، خصوصاً وأن أدب الجريمة لا يفضل فيه الكتابة الاستكشافية.
التفرغ للأدب
اللافت أن نهى درست الهندسة، ومارست عملها في مجال البرمجة وتكنولوجيا الاتصالات ونظم المعلومات لأكثر من 15 عاماً، قبل أن تغلق شركتها الخاصة عام 2017 لتتفرغ لكتابة الأدب الذي لم يكن مطروحاً لها دراسته، وهي التي ولدت في أسرة علمية، حيث تخرج والداها في كلية العلوم، ودفعاها إلى الاتجاه العلمي، ولم تتح لها الفرصة لتذوق مجال الأدب، ثم ظهرت موهبتها في مواضيع التعبير وقت الدراسة.
ونوهت إلى أن حرص والديها على القراءة ووجود كتب في بيتها، وعشقها لكتابات أجاثا كريستي والدكتور نبيل فاروق والدكتور أحمد خالد توفيق، أثّرت فيها كثيراً وكانت هذه الفترة ثرية ومهمة لها، واعتبرت ابتعادها عن الهندسة وتفرغها للأدب مغامرة ممتعة. واختتمت: «أشعر أن الإنسان المغامر في مرحلة من حياته تفتح له أبواب أكثر ممن لا يغامر، وبعد عملي في شركتي الهندسية لعشر سنوات شعرت أننا لا نقدم جديداً، خاصة وأنني شخصية منتجة، ودخول الكتابة كان مصادفة».