إبراهيم الملا (الشارقة)
يعد «تصميم الأزياء» ركناً أساسياً من أركان البنية البصرية للعرض المسرحي، بسبب امتلاك الأزياء طاقة تعبيرية ودلالية مشعّة ومعزّزة للسينوغرافيا، ومترجمة لفضاءات النص ومتطلبات الإخراج، وصولاً لتحقيق التمازج الملموس، والتناغم الضمني بين أهم ثلاثة مكونات تعتمد عليها الفرجة المسرحية، وهذه المكونات هي: «الممثل» و«السينوغرافيا» و«المتفرّج»، ولأن الأزياء هي شريك أساسي في تحديد شخصية الممثل ومرجعيته وبيئته، ولأنها تحسم الهوية الخاصة للعرض سواء كانت هذه الهوية واقعية أو تخيّلية، ولأن الأزياء تخلق مساحة خصبة لجذب المتفرج وإثارة انتباهه وتحقيق تفاعله مع مسارات وتحولات العرض، فهي تعدّ لغة تعبيرية بالغة الأهمية، وراسخة في تقاليد العرض المسرحي.
تعتبر الفنانة الإماراتية مريم عبدالله صالح الرميثي، من المواهب الشابة التي أثبتت حضورها في مجال تصميم الأزياء والديكورات المسرحية، وكان لها تأثير واضح في تحقيق جماليات العرض في مسرحية «غُرْب» من تأليف والدها الفنان عبدالله صالح الرميثي، وإخراج الفنان محمد سعيد السلطي، وهي المسرحية التي عُرضت مؤخراً ضمن المسابقة الرسمية للدورة الـ31 من مهرجان أيام الشارقة المسرحية.
حيث أضفت الملابس وأنماط الأزياء وألوانها التي صممتها الرميثي للشخصيات الرجالية والنسائية أبعاداً دلالية لصيقة بالحبكة الأساسية المطروحة في العرض، والمتمثّلة في التعامل مع الأغراب المجهولين، والنتائج السلبية والكارثية التي يفرزها الاطمئنان لهم دون البحث عن ماضيهم واستكشاف نواياهم قبل استضافتهم وفتح المجال لهم كي يمارسوا ألاعيبهم السريّة والخبيثة، الموجهة لخدمة مريبة، وتحقيق مآرب ذاتية وأنانية قائمة على الجشع والانتفاع على حساب ضحاياهم المخدوعين بهم.
شغف ذاتي
وللتعرف على الدوافع الشخصية والشغف الذاتي، وطبيعة تعاملها مع هذا العرض المسرحي، والخيارات التي لجأت إليها في تصميم أزياء مسرحية «غُرْب» لخدمة الفكرة المبثوثة في النص وتعزيز السينوغرافيا العامة وتحقيق رؤية المخرج، التقينا بالفنانة مريم الرميثي، التي عبّرت بداية عن سعادتها بالمشاركة الأولى لها في أيام الشارقة المسرحية، من خلال عرضٍ موجّهٍ للنخبة من المسرحيين والنقاد، ولجمهور نوعي يمتلك رؤية شاملة لمكونات العرض المسرحي، بحيث يكون قادراً على قراءة هذه المكونات بعمق وتبصّر.
وأضافت الرميثي أن مشاركاتها المسرحية السابقة تمثلت في تصميم ديكورات وأزياء عروض خاصة بمسرح الطفل، عندما كانت في التاسعة عشرة من عمرها، حيث ساهمت في صياغة السينوغرافيا الخاصة بأربعة عروض تخاطب خيال الأطفال، وتتعاطى مع عالمهم الخاص المرتبط بجاذبية القصة، والتشويق السردي، والإبهار البصري، بجانب التضمينات المبثوثة في العرض من قيم إيجابية وإنسانية وأخلاقية.
وفي سؤال حول الفوارق التي وجدتها بين مسرح الأطفال وبين مسرح الكبار عند تصميمها للأزياء والديكورات والأكسسوارات المسرحية، أوضحت الرميثي أن تصميم الأزياء في مسرح الكبار أو المسرح الجاد، بحاجة لجهد أكبر في التعاطي مع التفاصيل المرئية، ونقاشات أكثر تشعباً مع كاتب النص والمخرج، وكذلك متابعة البروفات الأدائية، لتنفيذ أزياء مناسبة لكل ممثل على حدة، بحيث تعبّر هذه الأزياء عن نوعية الحدث أو القضية المطروحة، وعن طبيعة الشخصيات، ومدى ثقلها وتأثيرها الدرامي في العرض.
عناصر السينوغرافيا
وأضافت الرميثي، أنها وبمشاركة صديقتها المصمّمة ميثاء ماجد الفلاسي، قامتا بقراءة مكونات العرض السردية والأدائية، وتعاونتا للخروج بتصوّر دقيق حول طبيعة الأقمشة ونوعية الملابس القادرة على ترجمة مناخات النص والإخراج، والوصول لصيغة تثري عناصر السينوغرافيا الأخرى المكونة من الإضاءة والديكور والأثاث وبيئة القصة ذاتها، فمثلاً عند تعاملها مع شخصية «السكّير» في العرض، والذي قام بدوره الفنان عادل إبراهيم، اختارت له الملابس الرمادية، المعبّرة عن حالة التذبذب وعدم الاستقرار التي يعيشها، وكذلك فإن كل لون آخر اختارته للشخصيات المشاركة في العرض كان يعبّر عن جوانب سلوكية معينة وطاغية عليها، بينما جاء تصميم الأزياء والملابس بشكل عام ليلائم فكرة العرض غير المرتبطة بزمان أو مكان معينيّن لذلك جاءت الأزياء رمزية ومحايدة، فهي لا تتناول مجتمعاً خاصاً أو واقعاً حقيقياً.
وحول الدوافع والمسببات التي جعلتها ترتبط بعالم المسرح عموماً، وبالتصميم والأزياء خصوصاً، أشارت الرميثي إلى أن الجو الأسري الفني المحيط بها، كان بمثابة الشرارة الأولى، أو الدافع الأساسي لارتباطها بالمسرح والدراما، حيث إن والدها عبدالله صالح الرميثي ممثل وكاتب ومخرج وصاحب تجربة طويلة في حقول المسرح والتلفزيون والغناء والموسيقا الشعبية، كما أن شقيقها مروان عبدالله صالح ممثل موهوب وحاز جوائز عديدة عن أدائه المسرحي في دورات مختلفة من مهرجان أيام الشارقة المسرحية.
وقالت: إن أول عمل فني شاركت به، كان عبارة عن عرض مسرحي عائلي، بعنوان «حديقة الخير»، وقد تم اختياره للمشاركة في فعالية مسرح الطفل والدمى في دبي عام 2017، وهو من كتابة وإخراج والدها وشارك به شقيقها مروان كمصمم للديكور، أما هي فقد نفذت الرسومات وصممت الأزياء والملابس، بينما ساهمت شقيقتها التوأم في تنفيذ المؤثرات الصوتية. وأضافت مريم أن السبب الثاني في ارتباطها بمهنة التصميم المسرحي هو دراستها الأكاديمية للإعلام التطبيقي وفنون الغرافيك، ودراستها التخصصية هذه -كما أشارت- كانت مبنية على شغفها المبكّر المرتبط بهواية الرسم وتصميم العباءات والملصقات، وتوظيف الخيال الذاتي لتحقيق نتائج بصرية وجمالية ملموسة.
مشاريع مستقبلية
عن مشاريعها المستقبلية في مجال تصميم الأزياء وتنفيذ أكسسوارات الدراما والمسرح، أشارت مريم الرميثي إلى أنها تسعى لتطوير تجربتها في هذا المجال وتأكيد حضورها الفني في الدراما والمسرح، من خلال زيادة أفقها المعرفي والتقني، حيث ستنضم قريباً لدورة خاصة بدراسة وتنفيذ التصميم الإبداعي وكيفية تحويل الفكرة إلى شكل تطبيقي مباشر.
وعن أهم المعوقات التي تواجهها كمصممة إماراتية تدخل هذا المجال النادر في واقعنا المحلي، أوضحت الرميثي أن وجود مصممة إماراتية مهتمة بسينوغرافيا المسرح وتصاميم الأزياء في الدراما والسينما، بحاجة إلى دعم إعلامي ومعنوي قبل أي دعم مادي، حيث إن الترويج لمصممات إماراتيات قادرات على تنفيذ أفكارهن الجمالية، وإثبات ذواتهن في هذا الحقل الإبداعي الكبير والمتشعب، هو بحد ذاته فعل مطلوب لإزالة العواقب المختلفة أمامهن، كما أنه سوف يفتح أبواباً ونوافذ متنوعة لاستقطابهن في الأعمال الفنية بالمسرح والتلفزيون والسينما، والتعبير بالتالي عن طاقاتهن المختزنة، ومشاركتهن في تعزيز المشهد الثقافي والفني بالإمارات سواء على النطاق المحلي أو النطاقين العربي والعالمي.