هزاع أبو الريش
يقترب «الاتحاد الثقافي» من المشهد المسرحي في دولة الإمارات، باحثاً في تداعيات النقد المسرحي وإشكالياته، وأبرز التحديات التي تدور حول الفعل الأدائي الحيّ، ومدى التأثر والتأثير الذي يلامس الحراك المسرحي في ظل المتغيرات الاستثنائية الراهنة التي يتفاعل معها المعنيون والمهتمون بالمسرح، أهمها التجارب المسرحية الرائدة في المشاركات الرئيسة داخل الدولة وخارجها، والسؤال الجوهري يدور حول القيمة الفعلية من إثراء المشهد المسرحي النقدي، وذلك لأن يكون «أبو الفنون» قادراً على المضي قُدماً بتجلياته وتطلعاته ورسائله، أم أنه بحاجة إلى المزيد من الوقت لتأمل الجهود الفنية المبذولة، والتفكير بإمكانية تطويره إلى أبعاد معرفية وفكرية متجددة، ما يعكس الفعل الاجتماعي والثقافي المحلي والعربي.
أكد الفنان د. حبيب غلوم، - بلا شك - أن هناك قصوراً كبيراً في وجود الناقد المسرحي على مستوى الخليج، وتكمن المشكلة الأساسية في عدم وجود معاهد أو كليات تختص في هذا الأمر بدولة الإمارات، وكذلك من ضمن المشكلات الأخرى، أن الجيل الحالي لا يرغب في دراسة الكثير من تفاصيل المسرح، مثل النقد، والديكور وإلخ..، ربما لأنهم لم يروا الجيل السابق قد استفاد من هذه التجربة، ومن هذه التخصصات المعنية بالمسرح، ولا وجود في الأساس لمؤسسات تستوعب مثل هذه التخصصات من الجانب الوظيفي، لافتاً: هذه المشكلات التي تواجه المسرح بكل جوانبه تعتبر عائقاً أمام محبي المهنة نفسها، ما يجعلها تتفاقم ولا يوجد لها متخصصون، كون المستقبل باتجاهها ضبابياً نوعاً ما، وغير واضح، خاصة أن الدول بشكل عام، تذهب اليوم نحو آفاق أكبر وأوسع في مجال الصناعات والفضاء والطب، ما جعل بعض التخصصات يتراجع ويترهل ويذبل، ويخفت بريقه، ويقل الطلب عليه كتخصصات أكاديمية.
وبالنسبة للمشاركات الخارجية والحضور المسرحي المحلي عربياً، قال الفنان د. حبيب غلوم: إنها تعد ضرورية وإضافة حقيقية؛ كونها تصقل المهارات المسرحية والأفكار التي تعزز من دور رسالة المسرح في اختيار النصوص والقدرات التي يمكنها أن تلهم الآخرين على خشبة المسرح، إلى جانب قيمة المشاركات الخارجية، في أنها تهدي المبدعين في القطاع، رؤية نقدية نحو النواقص والفروقات، موضحاً أنه يوجد لدينا حراك مسرحي سواء على الصعيد المحلي أو الخليجي، ولكن على المعنيين أن يستمعوا لمن هم في صلب المشهد المسرحي، حتى يأخذوا منهم أدق التفاصيل التي تهم المسرح، وتخدم المسرحيين، وتذهب بالعمل المسرحي نحو مساعٍ أكثر احترافية وفهماً للفعل المسرحي.
وتابع الفنان د. حبيب غلوم: «نحن ندرك جيّداً أن المسرح اليوم، ربما يكون مردوده المادي بسيطاً، وضرورة دعم الفرق المسرحية تعد مسألة مهمة جداً وفارقة، إضافة إلى أنه يقع على عاتق نجوم التلفزيون أن يكونوا ضمن المسرحيين، للاستفادة من حضورهم من خلال ضمان الجماهيرية، واستثمار كل ما يجعل صالة المسرح مكاناً للقاءات والتباحث بين الناس، وتحقيق المتعة الذهنية والبصرية».
وأوضح المسرحي ومهندس الديكور وليد راشد الزعابي، أن ما يميز دولة الإمارات عن بقية دول المنطقة، وجود مهرجانات مسرحية متنوعة، تمنح المسرحيين الإماراتيين والخليجيين والعرب، فرصة المشاركة على أرض الدولة، والتفاعل مع العروض المسرحية بمدارسها المختلفة، وكذلك وجود منهج مسرحي يدرس في معظم مدارس الدولة، والذي بدوره ينشر ثقافة حضور العروض المسرحية، أهمها مهرجان المسرح المدرسي والذي يقام في جميع إمارات الدولة.
وأضاف الزعابي أن الفضاءات المسرحية المحلية، والمتمثلة بالمهرجانات المسرحية داخل الدولة، والتي تصل إلى نحو 9 مهرجانات محلية، وهي «مهرجان أيام الشارقة المسرحية»، و«مهرجان المسرح الثنائي»، ومهرجان «المسرحيات القصيرة»، و«المهرجان الصحراوي»، و«مهرجان المسرح المدرسي»، و«مهرجان المسرح الكشفي»، و«مهرجان الإمارات لمسرح الطفل»، و«مهرجان دبي لمسرح الشباب»، و«مهرجان الفجيرة للمونودراما»، خلقت طقوساً مسرحية مهمة، أثرت على الحركة المسرحية في الإمارات، وجعلها تتبوأ مكانة خاصة في المنطقة، وساعدت هذه المهرجانات على إبراز عناصر ومواهب شابة واعدة، لما تقدمه هذه المهرجانات من دعم للموهوبين منذ صغرهم، وذلك حتى بلغوهم مرحلة الاحتراف. ومن العوامل المهمة التي لا يجب أن نغفل عنها وجود فرق مسرحية يزيد عددها على 16 فرقة مسرحية تستقطب المواهب الشابة، وتُحيي المهرجانات المسرحية بالمشاركات المختلفة للعروض المسرحية.
ولفت الزعابي إلى أن المسرح في دولة الإمارات، وبفضل جهود صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، يحظى بعناية خاصة من سموه، وهو الداعم الأول لنهضة المسرح في الدولة. وأما بالنسبة للمشاركات الخارجية، فإن حضور المسرح الإماراتي متنوع ما بين مشاركات خليجية، وأخرى عربية وإقليمية، حيث شاركت مسرحية «رأس المملوك جابر» في مهرجان ليالي المسرح الحر في الأردن، وحصول الفنان عبدالله الخديم على ذهبية الفنان ياسر المصري لأفضل ممثل في المسار الشبابي، عن دوره في مسرحية «رأس المملوك جابر»، ونيل أحمد عبدالله راشد عن المسرحية ذاتها، ذهبية الفنان سمير الخوالدة لأفضل مخرج مسرحي في المسار الشبابي، فإننا بكل تأكيد من خلال هذا المنجز نلاحظ مخرجات الفنان الإماراتي الشاب في هذه المهرجانات، ونستدل عليها، كمؤشر وعلامة إيجابية تحتم علينا جميعاً كأفراد ومؤسسات ثقافية الالتفات لها، ولهؤلاء الموهوبين ودعمهم دعماً مادياً ومعنوياً.
واستطرد الزعابي قائلاً: «فإننا كمختصين في المجال، نلاحظ أن معظم الدول في منطقة الخليج تتجه للمحافظة على المهرجانات المسرحية المحلية؛ لأنها تعتبر محركاً أساسياً لإنتاج الفرق المسرحية للأعمال المسرحية الجادة ذات الفكر والمضمون الهادف، والذي بدوره قدم عروضاً محلية، في معظم المهرجانات المسرحية العربية والدولية، والتي هي بطبيعتها إفرازات المهرجانات المحلية أساساً»، مؤكداً أن هناك «حراكاً خليجياً مهماً، ولكن يختلف من دولة إلى أخرى، حسب دعم المؤسسات الثقافية المعنية بشؤون المسرح، ونحن في دولة الإمارات بلا شك، نشهد تطوراً ملحوظاً للحركة المسرحية، إلى حد كبير منذ أعوام بسبب الدعم السخي من حكومة الشارقة، الذي دفع بالفرق إلى الاشتغال على المسرح بشكل عملي وجاد، مما أهل بعض الفرق لأن تحصد لها مكانة مهمة على خريطة المسرح العربي».
وتحدث الفنان والكاتب المسرحي فيصل جواد، عن أن النقد هو عملية رصد نظري وتفنيد للمنجز الفني، تحتكم لآليات اشتغال وفق معايير نقدية، موضوعية، تتحرك في دوائر مرنة للتحرر من قوالب الجمود، ولتنتقل بذلك من دور «المراقب» إلى دور «المشارك»، في إعادة إنتاج العمل الفني بعد قراءة متأنية لمجمل ما يجيء به، سواء كان نصاً أدبياً أو عرضاً مسرحياً، وقد أفادت المناهج النقدية العملية الإبداعية إفادة تجلت في تسليطها الضوء على مواطن الإضاءة في المنجز الفني والأدبي واستنباط الأسئلة وحث علامات الاستفهام، لتكون بمثابة إضاءات محايدة للمادة المعنية بالنقد.
وأوضح المسرحي فيصل جواد: مما لا شك فيه أن المشهد المسرحي عبارة عن قراءة لنص أدبي مسرحي، وإعادة إنتاجه بصرياً، عبر تأويله بحسب قراءة المخرج أو فريق العمل المعني بالإخراج وبالتالي، فإن مستمدات النص هي المادة الأولية والأولى لفرضية العرض المسرحي، والذي يمثل برمته تداعيات ثقافية واجتماعية وأدبية، لتكون خلاصة لمحيط بيئي أنتج فيه النص مرة، وأنتج فيه العرض مرة أخرى، وهذا يعني أن النص يحتمل قراءات متعددة في إنتاجه متأثراً بالمحيط الثقافي الممثل للبيئة، التي ستسقطها فرضية الإخراج ورؤية المخرج على بنية العرض، وهنا يتحول العرض والمشهد المسرحي كاملاً إلى جزء فكري فاعل في حركة الثقافة، عبر إحيائه ببنى متعاقبة كلما أنتج جديداً.
فضاءات التجريب
بالنسبة للحراك المسرحي المحلي والخليجي، أكد المسرحي فيصل جواد، أن المسرح الإماراتي يشهد تحولاً مهماً يتمثل في نفاذه إلى مساوقة المنجز العربي، في مسارحه المتقدمة، والدخول إلى تفاصيل اللعبة المسرحية بوعي كامل في بحثه عن الخصوصية والفرادة، وقاد عدد من المخرجين الإماراتيين التجربة إلى أتون المحلق والمضيء في مجموع التجارب، والخروج من القوالب المنهجية التقليدية إلى فضاءات التجريب، مستفيداً من احتكاك الفنان الإماراتي بالفنانين العرب، وبالتالي بالمسرحيين في العالم أجمع، وهذا ينطبق على تمدده خليجياً وتأثيره وتأثره بمسارح الخليج، عبر مشاركاته في المهرجانات العربية والدولية، فضلاً عن تبنيه إقامة العديد من المهرجانات العربية في المسرح وتنوع أشكاله.