نوف الموسى (دبي) تمحورت تساؤلات أغلب جمهور جلسة «عزة فهمي: الحلي- بيان ثقافي»، ضمن فعاليات مهرجان طيران الإمارات للآداب 14، حول الصعوبات التي واجهت مصممة الحلي الشهيرة عالمياً عزة فهمي، وتحديداً تلك اللحظة التي قررت فيها الدخول إلى «خان الخليلي»، في بداية مشوارها نحو اكتشاف جماليات ثقافة الحلي، لتجيب في كل مرة، بأن الحُب هو ما قادها لفضاءات الصياغة، وأنه لا تكون هناك صعوبات بالمعنى الفعلي للأشياء عندما تكون جزءاً من روحك، ولكنها بحسب تعبيرها كانت تمتلك وقتها أحلاماً أكبر من مقدرتها المالية، معتبرة أن ذلك لم يمنعها من الاستمرار في بناء هوية ثقافية وفنية في تصميماتها، ذات العلاقة الساحرة بأصالة الموروث المصري، مؤكدةً أن قيمة المجوهرات قائمة على أصالة البحث التاريخي والحضاري، وجميعها استدلالات معرفية رصدتها المصممة عزة فهمي، صاحبة دار تصميم عزة فهمي للمجوهرات في كتابها «مذكرات عزة فهمي أحلام لا تنتهي».
الحيرة الأولى
ومن العلامات الفارقة في حياة المصممة عزة فهمي، رؤيتها لكتاب ألماني في هذا الشأن، أثناء زيارتها لأول معرض كتاب دولي للكتب في القاهرة في سنة 1969، قائلةً: «وقعت عيني على صورة حلي لحلق من الفضة في الكتاب، وبالطبع لم أفهم المحتوى المكتوب بالألمانية ولكنني شعرت وقتها بأن هذا هو تماماً ما أود فعله، وأستطيع القول: إن تلك اللحظة تشبه حاله البصيرة، لأنها رؤية نابعة من القلب، وسردت المصممة عزة فهمي، حيرتها الأولى في إمكانية أن تتوصل إلى ورشة تعلمها مبادئ الصياغة، ليستقبلها «الأسطى رمضان» في منطقة خان الخليلي، الذي كان يمتلك ورشة صغيرة لصناعة الفضة.
وأوضحت المصممة عزة فهمي، أنه منذ أواخر الستينيات وحتى بداية الثمانينيات، كانت مصر تقود أكبر عمليات إنتاج وتصنيع لهذا المعدن الملكي في العالم العربي، ويقال: إن حجم عمليات التصنيع كان حوالي (300 - 350 طناً) سنوياً، وكان عدد الورش في هذا الحي حوالي 5000 ورشة، تغطي احتياجات مصر والعالم العربي، وقد تقلص الآن هذا العدد، لأسباب كثيرة. وأشارت إلى أنها كانت هي من أولى الفتيات الجامعيات اللاتي اقتحمن هذا العالم، لتعلم المهنة وفهمها، والتعرف على الواقع القائم في هذا الحيّ والعلاقات الخاصة بهذا المجتمع.
وذكرت عزة فهمي أنه في أواخر الثلاثينيات، كان «صادق الكبير»، يمتلك توكيلاً لتوزيع منتجات شركة الجمل المتخصصة في توزيع ذهب القشرة، وكانت تذهب لورثة أصحاب الشركة وتسألهم عن منتجات قشرة الجمل وموديلاتهم، مبينة أن جزءاً كبيراً من القطع التراثية التي ممكن أن تكون مصنوعة من النحاس المطلي بالذهب، والتي صنعت في أواخر القرن الـ 19 وأوائل القرن الـ 20، كانت مصنوعة بشكل جيد جداً من ناحية التصميم والتنفيذ، وهي ذات بعد متحفي، وقد ظهرت كنماذج جيدة في الأفلام المصرية القديمة.
وأشارت المصممة إلى أن من أقدم العائلات في مصر، والتي بدأت حرفة صناعة الذهب، عائلة السرجاني في عام 1776، وبعدها عائلة غالي في عام 1800، أما عائلة الخرساني فكانت في عام 1981، مبينة أن منطقة الصاغة كانت تزدحم في موسم بيع المحصول، وخاصة أن سكان قرى الصعيد هم الزبائن الأساسيون لمنتجات الذهب عيار 21 في هذا الحي، أما الناس الـ«ألافرنكا» مثلما يطلق عليهم فهم يرتدون ذهباً من عيار 18.
تجارة الكسر
وقد التقت عزة فهمي بالصائغ المصري الوحيد الذي كتب اسمه على القطع التي يصنعها «محمد المكاوي»، أحد أكبر تجار الفضة الخام في مصر، والممول الرئيسي لكل ورش الصياغة وخان الخليلي العاملين بالفضة، وتوضح كيف شرح لها تفاصيل ما يشتريه من قطع، منها: حلق من «الواحات»، خلخال من «الفيوم»، خاتم من «الصعيد»، وكانت كل هذه القطع تسمى «كسر فضة»، أي قابلة للتسييح والسبك لتصنيعها مرة أخرى، وعمليات تدوير الخام من الفضة والذهب هي العملية الأساسية في هذه الصناعة، ويطلقون عليها في المهنة «تجارة الكسر».