عدد اليوم
إيهاب الملاح (القاهرة)
محمد عبد النبي اسم ترسخ في عالم الكتابة الإبداعية (القصة والرواية) والترجمة عبر العديد من الأعمال التي احتلت مكانها في المكتبة العربية، ونال عن الكثير منها جوائز مرموقة وتكريمات عدة. من بين انشغالاته الفكرية والثقافية الأصيلة تأملاته الأدبية وتعليقاته على النصوص التي يقرؤها أو على الكتب والمؤلفات التي تُعنى بتحليل عملية الإبداع والكتابة، وكيفية صقل مهاراتها وتطويرها عبر ما يعرف الآن بـ «ورش الكتابة الإبداعية». عن دار الكرمة المصرية، وضمن إصدارات معرض الكتاب المقام حالياً بالقاهرة، صدر كتاب محمد عبد النبي الجديد بعنوان «غرفة الكتابة تأملات أدبية»، بغلاف أنيق ولافت للفنان كريم آدم.
في هذا الكتاب حديث واف ومهم عن موضوع ورش الكتابة الأدبية وماهية وفعالية تلك الأنشطة بين الجدية والرصانة والابتذال والتربح والوهم، عبد النبي من أوائل من مارسوا هذه الخبرة بوعي وملكات راسخة وحقيقية، يقول: «بدأت نظرتنا في العالم العربي إلى الأدب تتغير، من كونه متصلاً بوحي وإلهام، حيث وادي عبقر وشياطين الشعر، إلى حرفة وأدوات لا بد أن يتسلح بها صاحب الموهبة. في هذا الإطار، انطلقت ظاهرة وحلقات تعليم وممارسة الكتابة الإبداعية بدايةً من السينما والمسرح، ولزمها بعض الوقت لتنتقل أخيراً إلى الأدب».
يصحبنا القاص والروائي والمترجم محمد عبد النبي إلى غرفة الكتابة، وهو الخبير العارف بفنون الكتابة وألاعيبها، وصاحب الذائقة العالية المدربة، لنستكشف معه فيها جوانب أخرى للأدب، من زوايا غير مباشرة، وبعيدة قليلاً عن مَطالب التقنية والحِرفة، مثل: كيف تتشكَّل ذائقتنا الأدبية عبر القراءة؟ وما دور التذكُّر والنسيان فيها؟ وأسئلة أخرى تتناول قيمة الصمت والعزلة واتخاذ مسافة، ومعنى أن ننصت، والعلاقة بين الموسيقى والكتابة.
يقول عبد النبي عن كتابه الجديد: «هو كتاب جديد/قديم، فَقد نُشرَ محتواه مِن قبل مُنجَّماً، مقالاتٍ وموضوعات، في إصدارات مختلفة، ورقية أو إلكترونية، لكني رأيتُ أنَّ مواده تستحق البقاء أطول قليلاً مِن زمن النشر الصحفي. أعدتُ العَمل عليها بحيث تصلح للصدور ككتاب، عن دار الكَرمة المصرية، واخترت عنواناً له «في غرفة الكتابة»، وهو عنوان شهادة عن الكتابة مِن بين مواد الكتاب».
ثمة موضوعات أخرى تدور همومها الأساسية حول الكتابة، لا بالمعنى التقني والتعليمي المباشر، كما هو الحال مع كتابي «الحكاية وما فيها - السرد: مبادئ وأسرار وتمارين» الصادر عن دار هندواي - كلمات في مصر سنة 2016، ولكن عبرَ تناول مستوياتٍ أخرى تتعلَّق بعملية الكتابة مِن بعيد كفِعل وممارسة إبداعية واجتماعية. مِن ضمن مادة الكتاب أيضاً بضعة موضوعات متتالية حول الموسيقى والإيقاع والغناء في علاقتها بالكتابة الأدبية، وحول قيمة الصمت والعُزلة للكاتب والإنسان عموماً، وحول الأذن وحاسة السَمع وطبيعتها ومعضلاتها، وحول الكلام وأنواع تجارته. وأيضاً ثلاثة موضوعات تتناول عالَم نجيب محفوظ، مِن زوايا مختلفة، وفي نهاية الثلاثين فصلاً/موضوعاً، مقال حول فَرعٍ مِن البوذية هو فلسفة الزِن مِن خلال كتابين مترَجمين للعربية عنها.
تطرح مقالات الكتاب وفصوله أسئلتها الخاصة، وتغامر في بعض الأحيان بتقديم إجابات غير نهائية، وفي هذا كله تستند بوضوح إلى تجارب أدبية وفنية وتتجادل معها وتستفهمها. إنها بكل تأكيد رحلة أدبية «معرفية» ممتعة وعميقة.
