السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: الهوية والأرض

د. عبدالله الغذامي يكتب: الهوية والأرض
8 مايو 2021 00:19

في قصيدة فؤاد حداد «الأرض بتتكلم عربي»، التي غناها سيد مكاوي، يلامس النص معنى عميقاً لمفهوم الهوية، فهو إذ يجعل الأرض تتكلم بلغة شعبها ومواطنيها، ينبش عن المعنى العميق للهوية، وعلاقة الهوية بالأرض مرت عبر نماذج ساطعة الوجوه، وأول هذه النماذج هو قصة روديسيا، ذلك البلد الأفريقي الذي غير اسمه إلى زمبابوي في ترحل بين الهويات، فقد سماها المستعمر بـ «روديسيا» وحكمها الرجل الأبيض وتسلط على معناها وهويتها ولغتها، ولكن الأرض لم تسلم له قيادها وظلت تقاوم المستعمر إلى أن تحررت الأرض ومسحت المستعمر وسلطته، وغيرت اسمها ومعناها لأن الأرض لم تك تتكلم الإنجليزية لغة المستوطن، ولكنها تملك لغة أخرى هي لغة الأرض ونبض عروق المكان، ولذا انتصرت على المحتل، وكذلك حدث لجنوب أفريقيا، حيث تسلم أهل الأرض بلدهم وأزاحوا العنصري الذي كان يقمع معناهم ولغتهم ويهيمن على وجودهم.
ويقابل ذلك نموذج مختلف، هو نموذج أميركا التي أزاح المهاجرون أهل الأرض الأصليين وصنعوا للمكان لغة مستجلبة من أوروبا وتعززت بقوة السلطان والمال والثقافة، وتم قمع الأرض وحرمانها من ضميرها ومعناها، وهذا يفسر حالة القلق الثقافي المستمر في أميركا، حيث يهيمن الرجل الأبيض ويهمش كل جنس سواه من مهاجرين مثله سكنوا المكان ويشاركون الرجل الأبيض في هواء المكان وفي زرعه وخيره وحتى في عواصفه وجوائحه، وتحولت الفئات الأخرى ليتكلموا لغة الرجل الأبيض ويغنوا أغانيه ويلبسوا لباسه ويقاتلوا تحت رايته، وكل عمل لهم ينتهي ليكون رصيداً لمعنى الرجل الأبيض، والأكثر قهراً وإلغاء هو صاحب المكان الأصلي الذي يتكلم لغة المكان ويحمل هوية المكان الجذرية، ومثل ذلك في أستراليا، حيث يجري قمع الأرض ولغة الأرض لمصلحة المستعمر الذي أصبح هو المعنى المطلق وتحته يقبع المكان في صمت مطلق.
وبين النموذجين تأتي نيوزيلندا لتحاول أن تشرك أهل الأرض الأصليين في إدارة البلاد وفي تقدير لغة الأرض وهويتها، وهذا نوع من التواطؤ الحميد تتصالح فيه الهويات وتجعل الأرض تتنفس راحة تعوضها عن قلق تشتت الهوية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©